Sunday, March 14, 2010

عصفوران فى القفص

فى ظل الوضع الراهن والمطالبات بالتغير والتطوير أرى استجابة الناس لهذه المطالب على حالين أشبههم بعصفورين فى قفص، عصفور ولد ونشأ وتربى داخل القفص وعصفور ولد ونشأ وتربى فى البرية ولكنه اسر داخل القفص.
 أما العصفور الأول، وليد الأسر، تراه هادئا مستكينا ينتظر أن يطعم ويسقى من سيده، يستمتع بالألعاب بل يغنى ويصفر أحيانا، بل يكاد لا يرى أي شئ خارج القفص إلا إذا أتى سيده أو المتفرجون فيسعد أكثر ويغنى ويصفر بصوت أعلى املا أن ينال رضي واعجاب المتفرجين. اما إذا ما أهمله سيده، تجده لا يقوى على إطعام نفسه ولا حتى إخراج فضلاته خارج القفص فتسوء حالته وشكله ورائحته حتى يحن إليه سيده مجددا ويهتم به من جديد. وإذا ما فتح له باب القفص الصغير تجده لا يراه ولا يكترث به، بل لا يرغب حتى فى الخروج منه، ولكن إذا ما خرج أثناء حركته العشوائية دون قصد منه، تجده لا يعرف العالم الخارجي ولا يستطيع أن يمد جناحيه ولا يقوى على الطيران اما لأنهم قصوا جناحيه أو لأنه لم يستخدمهم مسبقا. كما انه لا يستطيع أن يطعم نفسه أو يحمى نفسه، قليلا وتجده يحاول العودة إلى القفص فان لم يستطع يعيش قليلا وما يلبث أن يموت غير قادر على العيش بحرية.
أما العصفور الثاني، ولد فى جو الحرية منذ صغره تعلم الطيران والتحليق فى السماء عاليا، تنفس هواء نقيا فى طبقات السماء المختلفة، تعلم أن يقتات بنفسه، ان يختار وجهته شمالا او جنوبا، شرقا او غربا، التحق بباقي أفراد عائلته أو سربه أو أبناء فصيلته. ثم بدون مقدمات وقع فى الأسر وقدر له أن يبقى داخل قفص حديدي يرى خارجه ولا يستطيع مغادرته، مجبر على نوع الأكل  والشراب والمناظر، لا يكاد يختار شيئا. تجده دوما فى حالة ثورة، يحاول ان يطيرفيصطدم بالجدران ويسقط، ثم يحاول مجددا ولا يهدأ إلا عندما تنهار قواه ويتعب فيستريح ويعاود مجددا. كما تجد صوته أميل إلى الصياح والغضب أكثر منه غناء وصفيرا. تجده لا يكترث لما يقدم له من طعام وشراب إلا عندما يصبح مضطرا، عينه دوما معلقه بالفضاء الخارجي حتى انك تظن انه يحلم. يامل أن يعود مجددا إلى التحليق فى الحرية. وإذا ما فتح الباب خطأ أو صوابا تجده ينطلق مسرعا للفضاء فاردا جناحيه طائرا بلا عودة، فإذا ما بقي فى القفص اما ان ينهار ويستكين أو يموت بعد أيام قليلة لأنه لا يستطيع أن يعيش بدون حرية.
يلعب التعليم دور أساسيا فى صناعة القفص والتربية على العيش داخله. كما يستطيع التعليم أن يصنع قفصا خياليا ذو قدرة اكبر على الأسر لأنه يأسر الأفكار، وياسر الشعور بالحرية، والقدرة على العيش بحرية. التعليم الجيد هو ما يربي على الاختيار، كما يحارب القوالب المغلقة فلا يعد للطفل إجابات مغلفه، معدة سابقا بل ويترك الطفل ليسبح بعقله ويكتشف وينطلق. التعليم الجيد يربى على الذاتية والاعتماد على النفس، فلا يعتمد على الآخرين بما فيهم المدرسين والآباء كمصدر للمعلومات أو مصدر للغذاء النفسي والعقلي. كما يعتمد التعليم الحر على التدريب والاستعداد للانطلاق وليس التدريب على التأقلم فى الأجواء الخانقة والمغلقة. لذا علينا أن ننتبه ونختار جيدا التعليم الحر المناسب لأولادنا ولا نتركهم وحظهم للنظام الموجود أو المتوفر، وان لم نجد تعليما مناسبا على الآباء والأمهات إكمال مهمة التربية على الحرية بأنفسهم من خلال أنشطة وتجارب هادفة.

Tuesday, March 2, 2010

تأملات فى قضية الانتماء

الانتماء هو هذا الشعور القوى المنطلق من حب دفين وارتباط وثيق بالمكان والأهل والتاريخ والجيرة، الخ. وهذا الانتماء هو السر وراء الرغبة الحقيقية في البقاء لمواجهة الصعاب ومواجهة الفساد ومواجهة التخلف المرتبط بكوننا احد الدول النامية. قضية الانتماء تعتبر من القضايا المحورية لاي تنمية مرجوة فى ظل الأوضاع الصعبة والأجواء الخانقة. أود أن أناقش قضية الانتماء خارج القوالب الجديدة والغريبة المنحصر فيها بعض مظاهر الانتماء. فقد انحصرت مظاهر الانتماء فى مباريات كرة القدم وبعض المزايدات الكلامية فى برامج حوارية، حتى انه فى الكثير من هذه الحالات يتعارض ظاهر ما فسره البعض على انه مظاهر انتماء مع حقيقة الانتماء. فإذا انتهت هذه المظاهرات مثلا بتخريب الممتلكات العامة أو تعطيل الحياة أو الإتيان بأفعال تضر بالمظهر العام والخارجي فإنها تضر بالكيان الذي تنتمي له فيكون هذا فعلا مناهضا للانتماء.
العجيب أن جعبة الكثير من الآباء والأمهات وحتى المربين فى المدارس خلت من إيجاد طرق مناسبة للتربية على الانتماء غير فى مدرجات كرة القدم أو مظاهرات الفرح بالنوادي أو بالاستقبال الشعبي بالمطار لهذا الفريق أو ذاك، حتى وان لم يكن المكان أو الزمان مناسبا، وحتى وان كانت الأفعال غير مقبولة وغير مناسبة. فقد رأينا فى خضم فوبيا انفولونزا الخنازير أباء منعوا أولادهم من الذهاب للمدارس وأطلقوهم فى الشوارع والمدرجات المزدحمة، ورأينا الكثير من أولياء الأمور من سمحوا لابناؤهم بالذهاب لمشاهدة المباريات فى وسط امتحانات منتصف العام. وهناك من سمحوا لأطفال وشباب فى أوقات غير مناسبة بالذهاب للمباريات مع علمهم أنها تجربة بها الكثير من الأضرار التربوية من سماع ألفاظ خادشة للحياء وأفعال مجنونة كإشعال نيران وعمليات تكسير فى جو عام مقبول كأننا نقر أمام أطفالنا أننا نقبل السلوك المجنون والمخرب كما نقبل كسر القوانين العامة فى حالة الفرح أو كما يدعى البعض حالة التعبير عن الانتماء. كما سمعنا عن مدرسة أحضرت حافلة قديمة دهنوها بالعلم الأخضر والأبيض وتركوها للطلبة لتدميرها تعبيرا عن غضبهم وانتمائهم. كما شهدنا جنازة احد الطلبة الذين قتلوا تحت عجلات السيارات عندما اختل توازنه وهو خارج احد نوافذ السيارات وهو فى مظاهرة الاحتفال والانتماء.
تعمدت أن انتظر هدوء حالة الانفعال الشعبي والاحتفالات حتى أتمكن من مواصلة الدفع باتجاه زيادة الحس الوطني بالانتماء لدى الشباب والأطفال ولكن من منظور تربوي مرتبط بالتعليم. المدخل الرئيسي للتربية على الانتماء من منظور منهجي وفعال هو بناء وتعزيز الهوية. عندما ينشأ الطفل على معرفة من هو ومن أين هو وما هو امتداده التاريخي وعمقه الحضاري وما هى مبادئه وأخلاقه المنبثقة من دينه ومجتمعه ومعرفة قوته المستمدة من قوة بلده وثقلها السياسى والاجتماعي، عندما يربط الطفل بأرضه وسماؤه وهواؤه من خلال عمل علاقة ايجابية وذكريات وجدانية مرتبطة بالمكان والزمان والأحداث والمناسبات، ينشأ لنا شاب تندمج هويته بهويته المكان بحيث لا ينفصلوا، فتصبح نجاحات هذا المكان من نجاحاته الشخصية ومشاكل المكان من مشاكله الشخصية، وليس مجرد ارتباط مادي ملموس يتنصل منه الشاب إذا تعرض فيه لبعض المشاكل. قضية الهوية تسبق قضية الانتماء لأنه إذا كنت منتمى عليك أن تجيب على تساؤل منتمى لماذا؟ أو منتمى لمن؟ حاول أن تسأل نفس هذا السؤال لأطفالك ماذا تعنى مصر بالنسبة لهم؟ وستتعجب للإجابة.. يجب أن تتضح الهوية كما يجب أن لا تنفصل عن المكان. والمكون المحدد للهوية هو مكون ثقافي ثم مكون عاطفي. فإذا تناولت المكون الثقافي فى المدارس وسألت الطلبة بشكل عام عن أصعب واشق المواد على أنفسهم ستجد ما يشبه الإجماع على اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والقومية والدينية. وهذه نتيجة مؤلمة لنجاحنا بصورة غير مباشرة في جعلهم مواد صعبة أو اقل متعة من اللغة الانجليزية والعلوم والرياضيات فتسببنا بنفور التلميذ من ثقافته وتمييع هويته، فبابتعاده عن اللغة العربية يبتعد عن روح ثقافته وبابتعاده عن الدراسات الاجتماعية والقومية يبتعد عن تاريخه وجغرافيته أي زمانه ومكانه وبالتالي يفقد هيكل الثقافة المتمثل فى اللغة وجوهر الثقافة المتمثل فى التاريخ والحضارة وخصائص المكان. وبخروج الدين خارج التقويم وبالتالي خارج الاهتمام تفقد الهوية روحها ومبادئها كما فقدت شكلها ومضمونها وإذا فقدنا هويتنا فقدنا انتماؤنا وأصبح كما هو الحال الان انتماء شكليا. اما إذا استثمرنا فى بناء الهوية لأبنائنا، ربطناهم بواقع هذا البلد فيصبحوا والبلد شيئا واحدا. وبدلا من ثقافة الهروب والهجرة للخارج الذي هو أمنية الكثير من الشباب اليوم، يصبح الأمل هو البقاء والتنمية لأنك ببساطة لا تستطيع أن تهرب من نفسك حتى وان كثرت المشاكل فتبقى لتحلها.
لذي أدعو الآباء والأمهات والمربين فى المدارس أن يهتموا بتعزيز هوية أبناؤهم عن طريق الاهتمام بلغتهم وتاريخهم ودينهم، فكل هذه المواد مرتبطة بثقافتهم. وعليهم ان يسعوا ويهتموا كما يفعلوا مع اللغة الثانية والثالثة. هل سمعتم عن أب أو أم حاول أن يجد من يعلم ابنه علم العروض في الشعر أو أن بجد مدرسا ليراجع مع ابنه تاريخ الخلافة العباسية أو الحكم بالأندلس لان المناهج لاتتناولها باستفاضة. على المربين أن يضعوا الحوافز والتشجيعات الكافية لهذه المواد الأساسية. في النهاية انبههم انه حتى وان لم يبقى الشاب وهرب أو ذهب مهاجرا لن يحترم في اى مكان فى العالم شرقه أوغربه طالما لا تتضح هويتة ولا يحترم ثقافته. نريد انتماء حقيقيا، انتماء لمضمون حقيقي، مضمون قيم. وان لم تكن مصر بتاريخها وحضارتها ودينها مصدرا للفخر والاعتزاز فاي الدول تكون؟ علينا فقط أن نربي أبناؤنا على معرفتها فتكون هى مفتاح معرفة أنفسهم وعزتهم بها وبهم.

Sunday, February 14, 2010

إحذر .... أولادك على الإنترنت

في خضم ثورة المعلومات التي نعيشها وتكّسر الكثير من الحواجز الزمانية والمكانية عن طريق الإنترنت الذي يمكن الحصول عليه بسهولة على أي جهاز كمبيوتر أو حتى على الهاتف المحمول، أجد أنه من الضروري على المثقفين والمربيين والعلماء في مجتمعنا الوقوف للتأمل ودراسة تأثير هذه الثورة على نمو أطفالنا وعلى المجتمع ككل. ولا ينبغى أن نتعامل مع ثورة الانترنت بتفكير ثنائي ساذج، القبول الكلي أوالرفض التام لتعامل اطفالنا مع الانترنت بدون ادراك كامل لتاثيره عليهم. لذلك احاول في هذا المقال ان أساهم في هذا التأمل من خلال تجربتى ودراستى التربوية محاولاً إيضاح خطورة السذاجة والسطحية فى تعاملنا مع علاقة اطفالنا بالإنترنت، كما احاول بيان اطار عام للاستخدام يمكننا من الوصول للعلاقة المثلى.

          تأثير التكنولوجيا على الاطفال والمجتمع بصفة عامة أحد أهم المواضيع فى البحث العلمي في المجالات الإجتماعية والتربوية لأن التكنولوجيا تغير سريعاً أنماط الحياة الإجتماعية وطرق تعامل الناس مع بعضهم البعض. ومع ظهور الإنترنت وسهولة الحصول عليه أصبحت هذه الدراسات أكثر أهمية وخطورة لأننا أصبحنا لا نتعامل فقط مع التكنولوجيا ولكننا نتعامل مع فيض هائل من المعلومات الغير مقننة ومتوافره لدى الجميع. أبعاد الثأثير هنا لا نهائية فقد أصبحنا نرى تغيير فى أنماط التجارة والمعاملات والإتصال بين الناس والقراءة والتعليم والوظائف والسياسة وحتى فى الحروب.

أبدأ بسرد أنواع من مخاطر الإنترنت فى حالة الإستخدام في الأغراض السليمة. الخطر الأول يشترك الانترنت  فيه مع غيره من وسائل الترفيه الإلكترونية كالتلفاز وألعاب الفيديو ...إلخ، وهو الإستغراق لساعات طوليه أمام هذه الأجهزة. يترتب على ذلك أضرار جسدية من مشاكل بالظهر والمفاصل والعيون وزيادة الوزن وأضرار نفسية تقترب من مشاكل الادمان أو مشاكل فى ردود افعال غير منضبطة نتيجة طبيعة بعض الالعاب، وأضرار إجتماعية كالعزلة والانطواء وعدم التوافق الإجتماعى والعنف. يزيد على ذلك مع الإنترنت إدمان قاعات الدردشة البريئة حتى لو كانت مع الاصدقاء. فتجد الناتج قضاء الأطفال والشباب ساعات طوال مع الاصدقاء فى هذا الجو الافتراضي الغير طبيعي يختبىء الطفل فيه خلف شاشته وخلف قدرته المحدودة على التعبير بالكتابة. ويعلق المتخصصون النفسيون والاجتماعيون أن طبيعة علاقاته الاجتماعية تتغير كما تتغير حتي قدرته على التعبير عن نفسه مما يؤثر على النمو الطبيعي لشخصيته.

الخطر الثانى هو اعتماد الطفل فى ثقافته على المعلومات المبسطة الغير موثقة فتصبح الثقافة العامة ثقافة سطحية غير مكتملة. مع العلم أن أغلب مضمون الإنترنت مواد معلوماتية ذاتية الأنشاء، أى أن أي شخص يستطيع الكتابة ونشر وتسويق مواضيعه، فتصل هذه المعلومات لأطفالنا بدون أى مراجعة أو تدقيق. وإذا ترك الطفل أمام هذه المعلومات بدون تدريب يأخذ المعلومات السهلة ويبني عليها أفكاره ومعتقداته. أعطي على ذلك مثال أحد الأبحاث التي طلبت من بعض الطلبة فى مرحلة الاعدادي عن شخص عالم الأحياء المثير للجدل داروين مع العلم أن مدارسنا تتبنى نظرية الخلق (creation) ولا تتبنى نظرية النشوء والارتقاء (evolution) خاصة في ما يتعلق بفكرة أصل الإنسان. وجدنا أن الطلبة الذين اعتمدوا على الإنترنت بدون توجيه كتبوا أبحاث تدل على تبنيهم فكرة النشوء والارتقاء، ذلك لأن أغلب الموجود على الإنترنت من هذه الخلفية العلمية والفلسفية. اضيف الى ذلك ان أحد الأخطاء الغير مباشرة هي تفاعل الأطفال مع مادة لا تتناسب مع أعمارهم فتؤثر على بناءهم الفكري والنفسي.

أما بالنسبة للأخطار نتيجة الإستخدام الخاطىء فهي كثيرة، من أشهرها الدخول على المواقع الإباحية سواء عن طريق الخطأ أو عمداً مما يترتب عليه صدمات نفسية عنيفة، كما يجعلهم عرضة لإدمان هذه المواقع. والغريب فى هذا الموضوع سهولة الدخول على هذه المواقع حتى للاطفال، لأنها تعتبر من أكبر الصناعات التجارية على الانترنت فتجد هذه المواقع مروج لها على مواقع أخرى وتجدها فى شكل فيروسات منتشرة على الاجهزة مما يجعل المستخدم الجديد عرضة لهذه الصدمة بشكل كبير. كما يوجد على الإنترنت مواقع كثيرة لا تتناسب مع الأطفال كمواقع العنف ومواقع بها موضوعات وقصص للكبار فقط كما يوجد مواقع للقمار والمراهنات ومواقع إرهابية تشرح كيفية صنع قنابل منزلية ومواقع لشراء المسروقات ومواقع يمكن أن تتعرض فيها للنصب والسرقة ومواقع تنتهك حقوق الملكية الفكرية. كما تنتشر مواقع تهاجم الاديان بصفة عامة ومواقع تهاجم الإسلام.

ومن مخاطر الاستخدام الخاطئ ما هو منتشر على مواقع وبرامج الدردشة من دخول أشخاص مغرضين عليها، فتجد رجال كبار يقدموا أنفسهم على أنهم نساء أو أطفال صغار ليتمكنوا  من الوصول لأغراض مريضة. فانتشرت على مستوى العالم حوادث خطف أطفال بهذه الطريقة. وقد شاهدت بنفسى محاولات كثيرة لأشخاص غرباء للإتصال بأطفال. وبالنسبة لمواقع إجتماعية كالفيس بوك وماى سبيس (Facebook – My Space) عندما يتعامل معها الأطفال بسذاجة، تجدهم ينشرون عليها صوراً شخصية لهم ولأهلهم، كما ينشرون معلومات خاصة جداً مع قبولهم لأشخاص لا يعرفونهم مما يزيد من فرصة الأستغلال الخاطىء لهذه الصور والبيانات. كما تنتشر محاولات إبتزاز لسهولة إستخدام برامج تعديل الصور وإمكانية تحويل الصور إلى صور فاضحة ونشرها بسهولة على الانترنت.

فى النهاية لا أحاول أن أثير الذعر من الانترنت ولا أحاول أن أدفع الناس بعيدا عنه. بل على العكس تماماً لأن الإنترنت أصبح جزءاً من الحياة اليومية والتكنولوجيا المستخدمة في كافة المجالات التي لا ينبغى أن نعزل أنفسنا عنها. كما اني أعتبر منع أطفالنا بدون تفكير هو الوجه الثاني للسذاجة. لأنه إذا منعوا فى البيت لن يمنعوا فى المدرسة والنادي وإذا منعوا عن الكمبيوتر لن يمنعوا عن التليفون ولن يمنعوا عند أصدقاءهم، بل سنفقد السيطرة أو القدرة على توجيه اطفالنا للإستخدام الصحيح للإنترنت. وهذا هو المطلوب أن ندرك كيف نتفاعل مع ابناؤنا على الإنترنت.

أقدم بإختصار بعض النصائح للوصول للإستخدام المتوازن والسليم للأنترنت. الخطوة الاولى هي محو أمية الكمبيوتر والإنترنت عند الأسرة، وهذا ممكن لان تصميم الإنترنت والكمبيوتر الان أغلبه مبسط وميسر للمستخدم الجديد. فإن لم تمحي هذه الأمية لن تتمكن من مجاراة أولادك، سيتحدثون لغة جديدة لا يمكنك فهمها، لذى لا غنى عن التعلم أي كان عمرك. الخطوة الثانية هي إستخدام برامج الفلترة للمحتوى ليتناسب مع السن وهذه برامج مجانيه أو رخيصة تراقب وتتحكم فيما يسمح بوصوله على الجهاز فتمنع منعاً باتاً المواقع الإباحية والعنيفة، إلخ. كما يوجد عن طريق الشركات الموفرة للخدمة ما يسمى بالإنترنت الآمن أو الإنترنت العائلى فتقوم الشركة بالفلترة من قبلها حتى أن بعض الدول كالإمارات تفرض هذه الخدمة على كل الشركات. الخطوة الثالثة كما تفعل فى التلفاز والفيديو جيم أن يكون الوقت مقنن أي عدم السماح إلا بعدد ساعات محدوده من الإستخدام لتلافي مشاكل الإدمان والمشاكل الصحية والنفسية المترتبة على طول فترة الإستخدام. الخطوة الرابعة هي أن تتواجد وتتفاعل مع أولادك على الانترنت وأن تكون في لائحة أصدقاءهم على الفيس بوك والدردشة بدون تدخل كبير بل لتكون محيطاً بما يفعلوه ومن يقبلوه. كما ينبغي أن تتحدث وتناقش معهم ما تراه ويرونه على الإنترنت حتى تتطور وتنمو معهم فى هذا العالم الإفتراضى. وأخيراً أنصح أن لا يسمح بإستخدام الإنترنت والتلفاز فى غرف مغلقة بل فى أماكن مفتوحة حتى لا يشعر المستخدم أنه بلا رقيب.

أدعوالله أن يحفظنا ويحفظ أولادنا وشبابنا ويمكننا من إستخدام هذه التكنولوجيا الإستخدام الأمثل والمفيد.

 

Monday, February 1, 2010

حمى الامتحانات

تهل علينا هذه الأيام فترة امتحانات منتصف العام والتى تجسد روح الصراع بين غالبية الأسر التى لها أطفال وشباب فى مراحل التعليم المختلفة ونظام التعليم المصري. تشعر انه الدور قبل النهائي للبطولة الكبرى، بطولة حصد الدرجات، فالفائز الأكبر هو الذي يستطيع أن يجمع اكبر قدر من الدرجات بأقل الخسائر. ويبذل فى سبيل هذه الغاية الغالي والنفيس من أموال وأوقات للاستعداد لهذا الحدث الهام. فتتوترالأعصاب وتصل درجة الاستعداد والطوارئ لأعلى مستوى فتمنع الزيارات والفسح، وتمنع المكالمات إلا فيما يتعلق بالاستعداد للدروس المختلفة. أما المدرب العام والمدير الفني فى هذه الحالة هو زعيم الدروس الخصوصية المدرس ذو القدرة على التلخيص بدون فقدان الألفاظ الأساسية المطلوبة فى ورقة الإجابة، والقدرة على إجبار التلاميذ على حفظ كل ما يقدم إليهم من معلومات باستخدام كافة الوسائل من ضغوط نفسية وواجبات واختبارات حتى يتمكن من التأكد أن الحشو تم فى رأس التلميذ. ومن المضحكات المبكيات فى هذه العملية تجد أن محاولة الطالب للفهم بالنسبة للمدرس ذو الشعبية الكبيرة هي محاولة لتضييع الوقت لأنها ستعطله وزملاؤه عن الحفظ. وان التلميذ مأمور أن يحفظ المعلومة حتى لو تأكد للمدرس أنها خطأ مطبعي. ومن المبكيات أيضا أن الطلبة تحفظ موضوعات الرسم وتحفظ موضوعات التعبير وتحفظ إثباتات النظريات الرياضية بل وتحفظ أيضا نماذج أسئلة الرياضيات بأرقامها، كما يتم حفظ الخرائط والخصائص والايجابيات والسلبيات بلا تحليل أو تعديل. كما أنها تحفظ الإجابات بمفرداتها وألفاظها كما وردت فى المقرر الدراسي فماذا كان مرادف كلمة بديع هو جميل لا تستطيع أن تستبدلها بحسن أو طيب.
من المحزن ان كل هذا المجهود وكل هذه الاستثمارات يضيع اغلبها فى الهواء والمثال على ذلك انه عادة عندما نختبر طالب شهادة الإعدادية الذي حصل على 90% في الاعدادية باستخدام نفس الامتحان أثناء التقديم لمرحلة الثانوي لا يحصل على أكثر من 60%. وان فى مقابلاتنا لخريجي الثانويات الفنية والتجارية ينكشف لنا أكثر من ذلك، نجد الكثير يعاني من صعوبات شديدة في الكتابة.
الشاهد هنا أن التركيز فى العملية التعليمية عندنا يعتمد على الحفظ فقط وان المستهدف الحقيقي هو الحصول على أعلى الدرجات بغض النظر عن التحصيل الحقيقي أو الكشف عن المهارات المكتسبة. ولكنى أتعاطف أيضا مع أولياء الأمور فى كثرة الضغوط فالمسابقة تبدأ فى مرحلة مبكرة لان أول شهادة تعليمية معتمدة هي شهادة الصف الثالث الابتدائي، ونتيجة طبيعية للتعليم الرسمي المصري أو مسابقة الحفظ أن الطالب يفقد درجات اكبر كلما تقدم فى المراحل الدراسية المختلفة. فإذا أخذنا مثالا افتراضيا من واقع الخبرة انه اذا حصل تلميذ على 98% فى الصف الثالث الابتدائي سيحقق تقريبا 95% فى الصف السادس وبالتالي 90% فى الإعدادية وتكون نتيجته النهائية فى الثانوية العامة حوالي 80%. فإذا كان الأب أو الأم طبيبا أو مهندسا أو يرغب بشدة أن يدخل ابنه أو ابنته الطب أو الهندسة سيعيش بداية من الصف الثالث أو الصف السادس حياة مضغوطة وصعبة جدا عليه وعلى أولاده لان الحلم بدأ فى التلاشي ولان المجموع المطلوب لكليات ما تسمى بالقمة لا تقل عن 95% فى الثانوية العامة. مع انه من المعلوم أن التصنيف الاجتماعي للكليات بكليات قمة وقاع غير منطقي بل ومضر حتى بالتوزيع الوظيفي لاحتياجات المجتمع للوظائف المختلفة.
وللأسف يترتب على هذه المسابقة المحمومة عدة ظواهر اجتماعية واقتصادية ضارة أولها ضياع بلايين الجنيهات فى النظام تعليمي والدروس خصوصية. ثانيا: ضغط نفسي واجتماعي شديد على التلاميذ وقد سمعنا عن حالات أو محاولات انتحار بين طلبة الثانوية العامة كما أن طاقات التلاميذ وذكاءاتهم المختلفة تحبط وتكبت لان التركيز فقط على الطلبة المتفوقين في الحفظ كما يصنف الآخرون بالفشل منذ سن صغيرة ومثال على ذلك ابنة احد أقاربي امتنعت عن حضور التجمعات العائلية لحصولها على الـ 90% فى الإعدادية. ثالثا: وهى حالة اجتماعية خاصة تنفرد بها مصر وهى فترة الامتحانات التى تشل جزئيا الحركة الاقتصادية والاجتماعية. وللعلم أن اغلب الدول الغربية تتجه إلى إلغاء الامتحانات الرسمية المعممة على الدولة. ففي كندا مثلا لا يوجد شهادة عامة واحدة فكل مدرسة لها الحق أن تعطى شهادة تخرج معتمدة تقبلها كل الجامعات، وأمريكا أيضا لا يوجد بها امتحان رسمي عام وكل مدرسة أيضا تعطى شهادتها ولكنها تضيف امتحان اختياري (SAT) عن طريق احد الشركات الخاصة وهو مطلوب فى الكثير من الجامعات الامريكية، وفى انجلترا يوجد اختبار واحد فقط فى آخر المرحلة الدراسية فى المواد الدراسية المختلفة قبل الدخول للجامعة.
استخلص من السابق ذكره أنى تناولت الأضرار الناجمة عن حمى الامتحانات فى بلدنا ومن الممكن للأفراد والمجموعات أن يتلافوا الكثير من الاضرار حتى فى ظل نظام قديم يحتاج للكثير من التطوير وذلك عن طريق التعامل العقلاني مع الامتحانات وعدم خوض السباق بهذا الانفعال. كما يجب التركيز مع الأولاد على الفهم والتطبيق ومناقشة المواضيع التى تتم دراستها فى المدرسة وأن فترة الامتحانات كغيرها من الفترات بجدول نوم واكل ومذاكرة منتظم لا ينقطع التلميذ عن محيطه الاجتماعي، كما لا ينبغي ان يحاسب الابن على الدرجة ونصف الدرجة بل يشجع على ما أحرزه من تقدم بالمقارنة بمستواه. كما لا يجب ان يحاسب حساب عسيرا على المواد التى لا يتقنها فليس كل الطلبة بارعين فى الرياضيات أو الرسم أو التعبير. يجب أن يتسع أفق الأب والأم ليروا أن النجاح غير مرتبط بكلية معينة كالطب والهندسة المهم أن يتحلى الطالب بمواصفات النجاح وان يكتشف ما يتقنه وما يحسن عمله وعلى هذا الأساس يختار الطالب كليته ومجال عمله بعد الدراسة بدون ضغط فى أي اتجاه. هذه القناعة ستخفف الكثير من الضغوط داخل المنازل وتساهم فى إعطاء التلاميذ فرصة اكبر لإبراز مواهبهم وطاقاتهم خارج دائرة المسابقة المحمومة وتعود بالنفع على المجتمع ككل.
م/ خالد القزاز
مدير احد المدارس الدولية بالقاهرة
k.alqazzaz@gmail.com

Monday, January 18, 2010

التعليم وصناعة القطيع


حملت لنا الأشهر القليلة الماضية عدة مواقف وتفاعلات شعبية غير منضبطة مع بعض الأحداث المختلفة التي اثرت في عموم الناس. أرجع بعض النقاد سبب التفاعل العشوائى على انه استجابه القطيع لمحفزات واستفزازات إعلامية موجهة ترتب عليها الانقياد الاعمى لعموم الشعب وراء العواطف والمشاعرالمستثارة. المثال الاكبرهو الإنفعال الزائد خلف الازمة المفتعلة بعد مباراة مصر والجزائر بالسودان فى تصفيات كأس العالم . المثال الاخر هو ما أسميته سابقا فوبيا أنفلونزا الخنازير أو الذعرالغير مبرر والغيرعلمي الذى آثر بشكل سلبى على أنشطة محورية فى مجتمعنا كالتعليم الانشطة الاجتماعية. يوجد أمثلة أخرى للانجراف الشعبى خلف العواطف بصورة عشوائية كرد الفعل الغير منضبط من إستشهاد المجند( أحمد شعبان) على الحدود المصرية الفلسطينية بدون انتظار لنتائج تحقيقات. والموقف الشعبي الغريب نتيجة مطالبة قناة الجزيرة الرياضية بحقوقها المالية فى صفقة بيع مباريات كأس الامم الافريقية بأنجولا.
يتخيل البعض أن العنصر الفاعل والمسبب والقائد لسلوك القطيع هو الاعلام الموجه فقط. ولكني أتحفظ على هذا الرأى لان الاعلام يمكن ان يكون هو المحفز الأول أو شرارة البدأ. أما السبب الحقيقي ووقود هذا السلوك الإنقيادي هو الثقافة العامة التى نتجت عن نظامنا التعليمي على مدار السنين. للأسف يتسبب نظامنا التعليمى فى تنشئة أجيال سهلة البرمجة، أجيال تعلم وتردد فقط ما يملى عليها، أجيال تستجيب ولا تناقش، أجيال تنفذ الأوامر حتى لو كانت خطأ. الشواهد من مناهجنا الدراسية وطرق التدريس الشائعة عندنا كثيرة . أٌركز فى هذا المقال فقط على كيفية تاثير النظام التعليمي على تنمية مهارة التفكير التى تؤثر بشكل مباشرعلى العقلية المتهمة بالانقياد.
تعتمد وسائل التقييم المصرية على اختبار ادنى مستوى من مستويات التفكير وهى الحفظ والقدرة على إسترجاع المعلومات. فى حين أن المدارس التربوية الحديثة خاصة الغربية منها اعتمدت فى تطوير وسائل التدريس والتقويم على نظرية بلوم "Bloom's Taxonomy" لتقسيم مستويات التفكير والتعلم. تقسم النظرية مستويات التعلم إلى ست مستويات: المستوى الأول هو مستوى المعرفة والقدرة على حفظ وإسترجاع المعلومات، المستوى الثاني هو مستوى الفهم والقدرة على تلخيض وشرح المعلومات، المستوى الثالث هو مستوى التطبيق والقدرة على إستخدام المعلومة وربطها بالواقع، المستوى الرابع هو مستوى التحليل والقدرة على تنظيم المعلومات ودراستها دراسة تدقيقية، المستوى الخامس هو مستوى الخلق والابتكار والقدرة على الاتيان بأفكار جديدة، أما المستوى الاعلى )المستوى السادس( هو مستوى التقييم والقدرة على الحكم على المعلومات كالنقض وإتخاذ القرارات.
يقوم التعليم الحديث بالتدريب على كل المهارات العقلية بمستوياتها المختلفة فى كل مراحل التعليم بإستخدام وسائل متنوعة للتقويم والتدريس. ومثال بسيط على استخدام هذه النظرية حتى فى مرحلة الحضانة هو رحلة الى حديقة الحيوان مثلا. يستطيع المدرس عند عودة الاطفال الى المدرسة ان يطلب فى مستوى التفكيرالاول وهو الحفظ ان يذكروا الحيوانات التى رأوها بالحديقة، وفى مستوى الفهم ان يقارنوا ما رأوه فى الحديقة مع قصة درسوها مسبقا عن الحيوانات، وفى مستوى التطبيق انه ما تعلموه عن القصة من وجود بداية ووسط ونهاية لكل قصة ان يطبقوه على رحلتهم للحديقة بان يجعلوا لقصة الرحلة بداية ووسط ونهاية. اما  على مستوى التحليل يمكن للاطفال ان يركزوا على لحظة بعينها فى الرحلة أثرت فيهم ويستفيضوا فى وصفها. وعلى مستوى الانشاء والابتكار يستطيعوا بمساعدة مدرسى الرسم والاشغال ان يبنوا او يرسموا حديقة حيوانات من وحى تجربتهم. وعلى مستوى التقييم يمكن ان يجيبوا على سؤال ماذا جعل هذه الرحلة مميزة مع ذكر السبب. سيجعلهم هذا قادرين على نقض التجربة ككل. النتيجة انه باستخدام نشاط بسيط يمكن ان يقوم به اي مدرس يستطيع ان يصل بعقل الطلبة الى ابعاد اعمق بكثير من الانشطة التقليدية.
بعد إعطاء هذا النموذج البسيط لأحد النظريات الأساسية التى يعتمد عليها التعليم الغربى فى كل عناصره سواء كانت فى المنهج الذى يضع مستهدفات تتناول المستويات المختلفة للتفكير أو فى إستخدام المدرس لوسائل مختلفة ليصل بالتلميذ إلى أبعاد أعمق فى التفكير، أو فى الكتب المستخدمة التى تتيح وتساعد المدرس والتلميذ على تناول المواضيع على مستويات مختلفة، او فى وسائل التقييم المتعددة التى لا تقيس فقط كم يحفظ الطالب بل تقيس أيضاً أين هو من مراتب التفكير المذكورة سابقاً.
الأهم من سرد الفوارق والنظريات التركيز على النتيجة المترتبة على هذا الإختلاف. فالنتيجة المترتبة على محورية مثل هذه النظرية فى النظام التعليمي الحديث لفترة طويلة من الزمن هو تخرج أجيال تربى تفكيرهم على عدم السطحية، أجيال تجعل كل مايقدم إليها يمر بمراحل مختلفة من الفهم والتحليل والتقييم مما يجعلهم متعلمين نشطين يتفاعلون مع المعلومات، يرفضون ما لا ينفعهم ويطبقون ما يتعلموه بل ويضيفون إلى العلم. أجيال تربت على التفكير الإبداعى والخلاق مما يدفعهم دوماً إلى التطوير والإنطلاق للاحسن والافضل. تختلف تماماً هذه الشخصية الخلاقة المبدعة عن الشخصية الداجنة المطيعة التى أقصى ما تستطيع أن تفعلة هو ما يملى عليها فقط.
هذه المقالة يمكن ان تصنف على أنها مقالة تحليلية تسلط الضوء على فوارق جوهرية بين التعليم المصري والتعليم الغربي. نستطيع من خلال هذه دراسة هذه القارنة أن نغير تدريجيا من نظامنا التعليمى وتغييرالثقافة العامة من ثقافة القطيع إلى ثقافة القادة المؤثرين. ولكن يستطيع القارىء العادى ايضا اذا كان مدرسا أو أباً  أو أماً أن يستخدم المقالة ليحدث فرقاً مع أولاده. وذلك عن طريق استعراض المستويات الستة للتفكير عند اي موقف تربوي او تعليمي ثم يسأل أسئلة إضافيه مقابلة لمستوى التفكير المرجو الوصول إليه. مع الوقت تدفع هذه الأسئلة الأطفال للإنتقال لمستوى أعلى من التفكير. كما يمكن ايجاد المزيد عن هذه النظرية وتطبيقاتها فى الكتب أو على الإنترنت.

Friday, January 15, 2010

أطفالنا والمستقبل

مع التعديلات الوزارية الجديدة خاصة فى وزارة التربية والتعليم ومع تعطل الدراسة هذا العام فى أغلب المدارس بالمدن الكبرى بسبب أنفلونزا الخنازير، يتبادر الى الأذهان تساؤلات كثيرة عن واقع التعليم ومستقبل أطفالنا فى مصر.

فى محاضرة مفيدة جدا للدكتور أحمد زويل فى الرياض والتى أذيعت فى أكثر من قناة فضائية الأسبوع الماضى تحدث الدكتور زويل عن الفارق الشاسع بين الدول المتقدمة والدول النامية مع عرض أمثلة مختلفة عن هذه الفوارق. ذكر د. زويل الفوارق فى ثلاث مجالات وهي الصحة والتعليم والعلوم العسكرية. بالنسبة للصحة أكد أنه بينما تنشغل الدول النامية بتأسيس النظام الصحى وانشاء المستشفيات تخطت الدول المتقدمة هذه المرحلة الى مرحلة العلاج الجينى مع البحث عن علاج الجينات المسؤولة عن الكثير من الأمراض وأنهم أصبحوا يدرسون ويتابعون الأمراض على مستوى الجزيئات وتفاعل الجزيئ مع العلاج. بالنسبة للتعليم ضرب د. زويل مثال اهتمامات واسئلة ابنه ذو الثلاثة عشر عاما عن الخريطة الجينية ومظاهر الحياة على المريخ فيما لايزال التعليم فى الدول النامية تعليم كلاسيكى أو تقليدى يعتمد فقط على الحفظ والاسترجاع وان نسبة الأمية في الدول العربية تقارب الـ 20%. أما بالنسبة للعلوم العسكرية تحدث عن تباهى الدول النامية بالطائرات الحربية الجديدة الموجودة بترسانتها بينما بدأت الدول المتقدمة فى أبحاث وضع مستعمرات فى القمر والمريخ لأغراض دفاعية أو استكشافية.

أشار د. زويل أن الحل يكمن فى "الاستثمار فى المستقبل" وخاصة الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى. والجدير بالذكر أن د. زويل أكد على ضرورة التعجيل بالاستثمار فى التعليم لأن الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة تقارب الخمسون عامًا. يقول جارى ماركس فى مقدمة كتابه القيادة المستقبلية (Future Focused Leadership) وهو يقصد بالتحديد التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية أن البقاء ‘محلك سر’ هو عبارة عن تذكرة مضمونة الى الفناء. ولأن العالم يتحرك الأن بسرعة شديدة ستتمكن فقط الدول والمجتمعات والمؤسسات التى تستطيع أن تكشف عن القدرات العبقرية للأفراد من خلال أحسن نظام تعليمى، من أن تمضى قدمًا للأمام بسرعة غير مسبوقة.

د. زويل يتحدث عن فرق الخمسون عامًا وجارى ماركس يكشف عن توجه الإدارة التعليمية بأمريكا للمضى بمعدل أسرع للأمام فأين نحن من هذا كله؟ أقول أننا فى أحسن تقدير مازلنا محلك سر والدلائل كثيرة. اذا عقدنا مقارنة بين الاجيال التي تعلمت في مصر مع استثناء بعض المناهج الدولية ومادة الكمبيوتر يؤكد كل جيل على أنه تلقى تعليمًا أفضل من الجيل الذى يليه. والمبرر لهذه المقولة من المنظور التربوى أنه بمرور الوقت تطور العالم وتغير ولم يتغير التعليم في مصر أو لم يتغير بالصورة المطلوبة. وإذا أضفنا الى ذلك ضعف الإمكانيات الحالية وزيادة الأعداد والكثافات فإن النتتيجة الحتمية أن اللاحق يتلقى خدمة تعليمية أقل من السابق. إذا ضربنا مثلا مقارنة بين جيل الجد والجيل الحالي نجد أن الجد تلقى علما متوائما مع زمنه فى مدارس تعتبر جديده فى ذلك الوقت بطرق تعليم أقرب لذلك العصر . أما الحفيد يتلقى الآن تعليما فى نفس المدرسة القديمة ولكن مزدحمة وغير مجهزة بنفس طرق التدريس ومناهج لا تختلف كثيرا عن ما سبق مما يجعلهم غير مناسبين وأقل كفاءة مما سبق.

وعلى مستوى أعمق قليلا نجد أن المناهج الدراسية المصرية لم تتغير كثيرا منذ قيام الثورة إنما اختلف قليلا التقييم فى المرحلة التى تسبق دخول الجامعه أى أن المناهج مازالت عالقة فى زمن سابق من حيث المحتوى ومن حيث المهارات المرتبطة بالمناهج. كما أن المدرس ومعاهد الندريس لم يلقوا الاهتمام المطلوب وتؤكد أغلب المراجع التربوية أن المدرس عادة ما يدرس بالطريقة التى تعلم بها لذا تهتم الدول المتقدمة بتأهيل المدرسين بطريقة مختلفة ليتمكن من تطوير اداءه ومواكبة التطور والتغير السريع للعصر ولمتطلبات التعليم. مع العلم ان علم التربية خاصة من العلوم الجديدة التي تتغير بسرعة شديدة. من خلال دراستي في مجال التربية استطيع ان اقول ان النظريات التربوية تتغير بمعدل سريع حتى انه لا يقبل بحث في كليات التربية الامريكية يستخدم مراجع اقدم من خمس سنوات من تاريخ تقديم البحث. لذا نجد ان مدرسينا مازالوا عالقين ايضا فى الزمن القديم بل وبكفاءة اقل نتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة أدت الى تشويه صورة ووضع المدرس فى المجتمع مما أثر مجددا على أداءه. أما عنصر الكتاب المدرسى للأسف ايضا تشعر أنه ينتمى لعصر غير العصر الذى نعيش فيه لذا فى أغلب الحالات يتم استبداله بالملخصات والملازم.

ما أحاول أن أوضحه هنا هو تقييم العملية التعليمية من زاوية مواكبة عناصرها المختلفة للزمن. كما قال د. زويل انه حتى نتمكن من تقليص الفارق علينا النظر للمستقبل. ويؤكد هذا المعنى جارى ماركس فى نفس الكتاب بأن التربويين عليهم أن يتحلوا بالمهارات القيادية التى تجعل المستقبل نصب أعينهم ومحور خططهم وقراراتهم مما اسماه بالقيادة المستقبلية. ويعطى مثالا بسيطا أن الكثير من طلبة مدارسنا فى مرحلة الحضانة الآن سيعيشوا ليشهدوا عام 2100 وأن خريجى الثانوية العامة هذا العام سيكملوا عامهم الـ 65 فى 2057 وممكن أن يعمروا الى عام 2080 مما يعنى أن المستقبل يشكّل داخل مدارسنا الآن.

الصورة ليست قاتمة بل بالعكس مبشرة جدا خاصة اذا نظرت فقط الى اطفالنا. ستجدهم دوما مفعمين بالحماس بصفحات بيضاء مع استعداد كامل لتقبل كل ما نعطيه لهم والمزيد. علينا فقط أن نبدا نحن كمربين في المنازل والمدارس أن نعترف ان ما تعلمناه سابقا لم يعد ينفع الآن وأن علينا ان نوفر لأطفالنا الجديد الذى يتوائم مع المستقبل أو على الأقل أن لا نقيدهم فى حاضرهم وماضينا بل نتركهم ليصيغوا مستقبلا مشرقا لهم.

الحمد لله انها انفلونزا الخنازير

اصبت الاسبوع الماضي بالانفلونزا واتضح من تحليل احد المعامل الخاصة انها انفلونزا الخنازير. تناولت موضوع انفلونزا الخنازير من نواحي مختلفة في مقالين سابقين ولكني وجدت اني ساقدم للقارئ زاوية جديدة عندما اتناوله من وجهة نظر المريض.

عندما ظهرت نتيجة التحليل الايجابية بدات ارى بعض المشاكل المرتبطة بالثقافة العامة التى صعبت التعامل مع هذا لمرض البسيط. تأكد لى أن الثقافة العامة عندنا ليست ثقافة مبنية على العلم بل تعتمد أكثر على العاطفة والانفعالات. كما تأثر الوسط الطبى بهذه الثقافة أيضا وموضوع الانفلونزا خير دليل.

عندما ظهرت النتيجة الإيجابية استعرضت فى ذهنى شريط المعلومات عن المرض والعدوى ولكنى اؤمن بالتخصص لذا اخذ قراراتي الصحية من الطبيب المعالج بعد مناقشته. وهنا بدات مرحلة الشك لأن ما طلبه منى لا يتماشى مع المعلومات التي جمعتها فبدات أسأل أطباء آخرين وأتابع الأطباء المستضافين على شاشات الفضائيات راجيا هذه المرة كمريض الحصول على معلومات محددة شافية. ولتتابع ما أقول حاول أن تجد اجابة جامعة للأسئلة التالية وستجد اختلافات كبيرة بين الاراء:

- ما هي فترة العدوى بالضبط قبل ظهور الأعراض وبعد انتهاء الأعراض؟

- هل الأعراض التي تحكمنا في موضوع فترة العدوى هى الحرارة أم الكحة أم ماذا؟

- متى يصبح التامى فلو غير فعال او بدون فائدة؟

- من يأخذ االتامى فلو تحديدا هل الفئات الخطيرة فقط أم أى مصاب بأنفلونزا الخنازير؟

- من ياخذ الجرعه الوقائيه للتامي فلو؟

كل هذه السئلة لها إجابات ولكنها ليست محددة. ولكنى كمريض يحدث معي فرقا هائلا أن ابقى يوما إضافيا معزولا عن أطفالى الصغار اللذين لا يعلمون ما يعييني كما انهم يروني ولكن لا يستطيعون أن يقتربوا مني.

أحسست أنه حتى الأطباء يستقون معلوماتهم عن هذا المرض بالذات من الاخبار والفضائيات والجرائد والانترنت وان معظمهم سلك مسلكا غير علمي في تناول المرض. الشاهد الأول لهذا المسلك أن أغلب الأطباء فى تحليلهم وتشخيصهم اختاروا الرد على الأسئلة باختيار أحد الاراء المتناثرة فى المراجع المختلفة بدون ذكر الآراء المختلفة او شرح تفضيله لهذا الراي او ذاك. مثالا على ذلك سؤال فترة امتداد العدوى. تجد احد الاطباء يخبرك انها اسبوع من بداية الاعراض واخر ياكد انها يومان بعد انتهاء الحراره بدون خافض حراره. الاختلاف ليس كبيرا لكنه محير جدا للمريض. المتوقع من الاطباء المتخصصون ان يذكروا مدى تنوع الاراء والسبب العلمي لتفضيله.

الشاهد الثاني على السلوك الغيرعلمي ان الاطباء انساقوا وراء الانفعالية والذعر المربتطين بانفلونزا الخنازير بل وساهموا في تفشي حالة الذعر. ابسط مساهمة ان اغلب الاطباء اضافوا الى قاموس تشخيصاتهم لاغلب حالات البرد كلمة "اشتباه"، والمقصود اشتباه في انفلونزا الخنازير. وعندما يسمع الاب او الام هذه الكلمة تبدا حالة الذعر التي تصيب البيت والاسرة الممتدة والجيران بل والمدرسة واذا اضفت ثقافة الشائعات التي سافرد لها مقالا خاصا ننتقل من حالة الذعر الى حالة الفوضى. مع العلم ان الاطباء اكثر الناس علما انه فيروس انفلونزا ضعيف لا يستدعي اي علاج استثنائي او قلق اضافي. اضرب مثال الحوار بيني وبين طبيب اطفال بعد الكشف على ابنتي وعمرها سنة ونصف منذ اكثر من شهر. خلص الطبيب انها حالة انفلونزا فيروسية انها يمكن ان تكون H1N1 بنسبة 5%. وبدا يصف مضاد حيوي مع انها لسيت من عادته في حالات الانفلونزا ولهذا انا معجب به، فسالته هل سيعالج هذا الانفلونزا حتى لو كانت H1N1 فقال لا ولكنها اجراءات احترازية. وتعجبت من ذلك لان لو اعطى الاطباء دواء لكل مرض او عرض احتمالية حدوثه 5% سيكتبوا لنا المئات من الادويه عند كل زيارة.

ما ذكرته يعتبر مؤشرا لانزلاق الكثير من الاطباء في سلوك غيرعلمي عند تعاملهم مع انفلونزا الخنازير. اما بالنسبة للعوام فالثقافة الغير العلمية هي السائدة. تجد المذيع فى الفضائية ياتي بالخبر او التحقيق المحمل بالبيانات والتصريحات والحقائق العلمية لكنك تجد الاسئلة ورد فعل الناس غير مرتبط بالحقائق المذكورة بل مرتبط بالتهويل من قبل الاعلاميين. اضرب مثالا على ذلك الحقائق والاحصائيات التى ترد يوميا على شاشات الفضائيات بخصوص انفلونزا الخنازير. أولا: فيروس انفلونزا الخنازيراضعف من فيروس الانفلونزا الموسمية وأعراضه ومضاعفاته مشابهة لما اعتاد عليه الناس في حالات الانفلونزا. ثانيا: ان نسبة الشفاء من المرض تتعدى ال 98% بدون علاج. ثالثا: يوجد علاج فعال لهذا المرض كما يوجد تطعيم ضده. رابعا: نسبة الإصابة فى مصر والوفيات لا تشير لأى خطر او وباء. عدد المصابين حوالى 14 الف مصاب أى اقل من 0.02 % من السكان، كما ان نسبة الوفيات من المصابين اقل من 1%.

من المنظور العلمى حتى الآن لا يعتبر المرض من الامراض الخطيرة باي مقياس ولم يصل بعد لدرجة الوباء في مصر من حيث سرعة الانتشار أو معدل الوفيات. اعلم انه مهما حصرت من بيانات واحصائيات علمية لن اغير من ذعر الكثيرين. لذا من المنظور الشخصي كشخص اصيب بالمرض اللعين اعلم اني اصير اكثر اقناعا خاصة واني من الفئات المعرضة للمضاعفات الخطيرة لاكثر من سبب كما ان لي رضيعه اقل من شهرين لا ينفع معها تطعيم او تامي فلو ولي ابن مصاب بحساسية الصدر ووالدي مريض بالقلب والضغط والسكر ويعيش بنفس المنزل. بالرغم من هذا كله اقول لكم انه دور عادي جدا ارتفعت درجة حرارتي لمدة يوم ونصف ونزلت بالكماداب وخافض الحراره كما تعافيت في ثلاثه ايام من اغلب الاعراض. والحمد لله باتباع الوقاية الصحية البسيطة لم ينتقل المرض لاي فرد من افراد عائلتي. لذا اؤكد مجددا من التجربة الشخصية انه مرض بسيط بل واقول احمد الله اني اصبت بانفلونزا الخنازير عن اي انفلونزا اخرى.