Friday, January 15, 2010

أطفالنا والمستقبل

مع التعديلات الوزارية الجديدة خاصة فى وزارة التربية والتعليم ومع تعطل الدراسة هذا العام فى أغلب المدارس بالمدن الكبرى بسبب أنفلونزا الخنازير، يتبادر الى الأذهان تساؤلات كثيرة عن واقع التعليم ومستقبل أطفالنا فى مصر.

فى محاضرة مفيدة جدا للدكتور أحمد زويل فى الرياض والتى أذيعت فى أكثر من قناة فضائية الأسبوع الماضى تحدث الدكتور زويل عن الفارق الشاسع بين الدول المتقدمة والدول النامية مع عرض أمثلة مختلفة عن هذه الفوارق. ذكر د. زويل الفوارق فى ثلاث مجالات وهي الصحة والتعليم والعلوم العسكرية. بالنسبة للصحة أكد أنه بينما تنشغل الدول النامية بتأسيس النظام الصحى وانشاء المستشفيات تخطت الدول المتقدمة هذه المرحلة الى مرحلة العلاج الجينى مع البحث عن علاج الجينات المسؤولة عن الكثير من الأمراض وأنهم أصبحوا يدرسون ويتابعون الأمراض على مستوى الجزيئات وتفاعل الجزيئ مع العلاج. بالنسبة للتعليم ضرب د. زويل مثال اهتمامات واسئلة ابنه ذو الثلاثة عشر عاما عن الخريطة الجينية ومظاهر الحياة على المريخ فيما لايزال التعليم فى الدول النامية تعليم كلاسيكى أو تقليدى يعتمد فقط على الحفظ والاسترجاع وان نسبة الأمية في الدول العربية تقارب الـ 20%. أما بالنسبة للعلوم العسكرية تحدث عن تباهى الدول النامية بالطائرات الحربية الجديدة الموجودة بترسانتها بينما بدأت الدول المتقدمة فى أبحاث وضع مستعمرات فى القمر والمريخ لأغراض دفاعية أو استكشافية.

أشار د. زويل أن الحل يكمن فى "الاستثمار فى المستقبل" وخاصة الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى. والجدير بالذكر أن د. زويل أكد على ضرورة التعجيل بالاستثمار فى التعليم لأن الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة تقارب الخمسون عامًا. يقول جارى ماركس فى مقدمة كتابه القيادة المستقبلية (Future Focused Leadership) وهو يقصد بالتحديد التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية أن البقاء ‘محلك سر’ هو عبارة عن تذكرة مضمونة الى الفناء. ولأن العالم يتحرك الأن بسرعة شديدة ستتمكن فقط الدول والمجتمعات والمؤسسات التى تستطيع أن تكشف عن القدرات العبقرية للأفراد من خلال أحسن نظام تعليمى، من أن تمضى قدمًا للأمام بسرعة غير مسبوقة.

د. زويل يتحدث عن فرق الخمسون عامًا وجارى ماركس يكشف عن توجه الإدارة التعليمية بأمريكا للمضى بمعدل أسرع للأمام فأين نحن من هذا كله؟ أقول أننا فى أحسن تقدير مازلنا محلك سر والدلائل كثيرة. اذا عقدنا مقارنة بين الاجيال التي تعلمت في مصر مع استثناء بعض المناهج الدولية ومادة الكمبيوتر يؤكد كل جيل على أنه تلقى تعليمًا أفضل من الجيل الذى يليه. والمبرر لهذه المقولة من المنظور التربوى أنه بمرور الوقت تطور العالم وتغير ولم يتغير التعليم في مصر أو لم يتغير بالصورة المطلوبة. وإذا أضفنا الى ذلك ضعف الإمكانيات الحالية وزيادة الأعداد والكثافات فإن النتتيجة الحتمية أن اللاحق يتلقى خدمة تعليمية أقل من السابق. إذا ضربنا مثلا مقارنة بين جيل الجد والجيل الحالي نجد أن الجد تلقى علما متوائما مع زمنه فى مدارس تعتبر جديده فى ذلك الوقت بطرق تعليم أقرب لذلك العصر . أما الحفيد يتلقى الآن تعليما فى نفس المدرسة القديمة ولكن مزدحمة وغير مجهزة بنفس طرق التدريس ومناهج لا تختلف كثيرا عن ما سبق مما يجعلهم غير مناسبين وأقل كفاءة مما سبق.

وعلى مستوى أعمق قليلا نجد أن المناهج الدراسية المصرية لم تتغير كثيرا منذ قيام الثورة إنما اختلف قليلا التقييم فى المرحلة التى تسبق دخول الجامعه أى أن المناهج مازالت عالقة فى زمن سابق من حيث المحتوى ومن حيث المهارات المرتبطة بالمناهج. كما أن المدرس ومعاهد الندريس لم يلقوا الاهتمام المطلوب وتؤكد أغلب المراجع التربوية أن المدرس عادة ما يدرس بالطريقة التى تعلم بها لذا تهتم الدول المتقدمة بتأهيل المدرسين بطريقة مختلفة ليتمكن من تطوير اداءه ومواكبة التطور والتغير السريع للعصر ولمتطلبات التعليم. مع العلم ان علم التربية خاصة من العلوم الجديدة التي تتغير بسرعة شديدة. من خلال دراستي في مجال التربية استطيع ان اقول ان النظريات التربوية تتغير بمعدل سريع حتى انه لا يقبل بحث في كليات التربية الامريكية يستخدم مراجع اقدم من خمس سنوات من تاريخ تقديم البحث. لذا نجد ان مدرسينا مازالوا عالقين ايضا فى الزمن القديم بل وبكفاءة اقل نتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة أدت الى تشويه صورة ووضع المدرس فى المجتمع مما أثر مجددا على أداءه. أما عنصر الكتاب المدرسى للأسف ايضا تشعر أنه ينتمى لعصر غير العصر الذى نعيش فيه لذا فى أغلب الحالات يتم استبداله بالملخصات والملازم.

ما أحاول أن أوضحه هنا هو تقييم العملية التعليمية من زاوية مواكبة عناصرها المختلفة للزمن. كما قال د. زويل انه حتى نتمكن من تقليص الفارق علينا النظر للمستقبل. ويؤكد هذا المعنى جارى ماركس فى نفس الكتاب بأن التربويين عليهم أن يتحلوا بالمهارات القيادية التى تجعل المستقبل نصب أعينهم ومحور خططهم وقراراتهم مما اسماه بالقيادة المستقبلية. ويعطى مثالا بسيطا أن الكثير من طلبة مدارسنا فى مرحلة الحضانة الآن سيعيشوا ليشهدوا عام 2100 وأن خريجى الثانوية العامة هذا العام سيكملوا عامهم الـ 65 فى 2057 وممكن أن يعمروا الى عام 2080 مما يعنى أن المستقبل يشكّل داخل مدارسنا الآن.

الصورة ليست قاتمة بل بالعكس مبشرة جدا خاصة اذا نظرت فقط الى اطفالنا. ستجدهم دوما مفعمين بالحماس بصفحات بيضاء مع استعداد كامل لتقبل كل ما نعطيه لهم والمزيد. علينا فقط أن نبدا نحن كمربين في المنازل والمدارس أن نعترف ان ما تعلمناه سابقا لم يعد ينفع الآن وأن علينا ان نوفر لأطفالنا الجديد الذى يتوائم مع المستقبل أو على الأقل أن لا نقيدهم فى حاضرهم وماضينا بل نتركهم ليصيغوا مستقبلا مشرقا لهم.

No comments:

Post a Comment