Monday, January 18, 2010

التعليم وصناعة القطيع


حملت لنا الأشهر القليلة الماضية عدة مواقف وتفاعلات شعبية غير منضبطة مع بعض الأحداث المختلفة التي اثرت في عموم الناس. أرجع بعض النقاد سبب التفاعل العشوائى على انه استجابه القطيع لمحفزات واستفزازات إعلامية موجهة ترتب عليها الانقياد الاعمى لعموم الشعب وراء العواطف والمشاعرالمستثارة. المثال الاكبرهو الإنفعال الزائد خلف الازمة المفتعلة بعد مباراة مصر والجزائر بالسودان فى تصفيات كأس العالم . المثال الاخر هو ما أسميته سابقا فوبيا أنفلونزا الخنازير أو الذعرالغير مبرر والغيرعلمي الذى آثر بشكل سلبى على أنشطة محورية فى مجتمعنا كالتعليم الانشطة الاجتماعية. يوجد أمثلة أخرى للانجراف الشعبى خلف العواطف بصورة عشوائية كرد الفعل الغير منضبط من إستشهاد المجند( أحمد شعبان) على الحدود المصرية الفلسطينية بدون انتظار لنتائج تحقيقات. والموقف الشعبي الغريب نتيجة مطالبة قناة الجزيرة الرياضية بحقوقها المالية فى صفقة بيع مباريات كأس الامم الافريقية بأنجولا.
يتخيل البعض أن العنصر الفاعل والمسبب والقائد لسلوك القطيع هو الاعلام الموجه فقط. ولكني أتحفظ على هذا الرأى لان الاعلام يمكن ان يكون هو المحفز الأول أو شرارة البدأ. أما السبب الحقيقي ووقود هذا السلوك الإنقيادي هو الثقافة العامة التى نتجت عن نظامنا التعليمي على مدار السنين. للأسف يتسبب نظامنا التعليمى فى تنشئة أجيال سهلة البرمجة، أجيال تعلم وتردد فقط ما يملى عليها، أجيال تستجيب ولا تناقش، أجيال تنفذ الأوامر حتى لو كانت خطأ. الشواهد من مناهجنا الدراسية وطرق التدريس الشائعة عندنا كثيرة . أٌركز فى هذا المقال فقط على كيفية تاثير النظام التعليمي على تنمية مهارة التفكير التى تؤثر بشكل مباشرعلى العقلية المتهمة بالانقياد.
تعتمد وسائل التقييم المصرية على اختبار ادنى مستوى من مستويات التفكير وهى الحفظ والقدرة على إسترجاع المعلومات. فى حين أن المدارس التربوية الحديثة خاصة الغربية منها اعتمدت فى تطوير وسائل التدريس والتقويم على نظرية بلوم "Bloom's Taxonomy" لتقسيم مستويات التفكير والتعلم. تقسم النظرية مستويات التعلم إلى ست مستويات: المستوى الأول هو مستوى المعرفة والقدرة على حفظ وإسترجاع المعلومات، المستوى الثاني هو مستوى الفهم والقدرة على تلخيض وشرح المعلومات، المستوى الثالث هو مستوى التطبيق والقدرة على إستخدام المعلومة وربطها بالواقع، المستوى الرابع هو مستوى التحليل والقدرة على تنظيم المعلومات ودراستها دراسة تدقيقية، المستوى الخامس هو مستوى الخلق والابتكار والقدرة على الاتيان بأفكار جديدة، أما المستوى الاعلى )المستوى السادس( هو مستوى التقييم والقدرة على الحكم على المعلومات كالنقض وإتخاذ القرارات.
يقوم التعليم الحديث بالتدريب على كل المهارات العقلية بمستوياتها المختلفة فى كل مراحل التعليم بإستخدام وسائل متنوعة للتقويم والتدريس. ومثال بسيط على استخدام هذه النظرية حتى فى مرحلة الحضانة هو رحلة الى حديقة الحيوان مثلا. يستطيع المدرس عند عودة الاطفال الى المدرسة ان يطلب فى مستوى التفكيرالاول وهو الحفظ ان يذكروا الحيوانات التى رأوها بالحديقة، وفى مستوى الفهم ان يقارنوا ما رأوه فى الحديقة مع قصة درسوها مسبقا عن الحيوانات، وفى مستوى التطبيق انه ما تعلموه عن القصة من وجود بداية ووسط ونهاية لكل قصة ان يطبقوه على رحلتهم للحديقة بان يجعلوا لقصة الرحلة بداية ووسط ونهاية. اما  على مستوى التحليل يمكن للاطفال ان يركزوا على لحظة بعينها فى الرحلة أثرت فيهم ويستفيضوا فى وصفها. وعلى مستوى الانشاء والابتكار يستطيعوا بمساعدة مدرسى الرسم والاشغال ان يبنوا او يرسموا حديقة حيوانات من وحى تجربتهم. وعلى مستوى التقييم يمكن ان يجيبوا على سؤال ماذا جعل هذه الرحلة مميزة مع ذكر السبب. سيجعلهم هذا قادرين على نقض التجربة ككل. النتيجة انه باستخدام نشاط بسيط يمكن ان يقوم به اي مدرس يستطيع ان يصل بعقل الطلبة الى ابعاد اعمق بكثير من الانشطة التقليدية.
بعد إعطاء هذا النموذج البسيط لأحد النظريات الأساسية التى يعتمد عليها التعليم الغربى فى كل عناصره سواء كانت فى المنهج الذى يضع مستهدفات تتناول المستويات المختلفة للتفكير أو فى إستخدام المدرس لوسائل مختلفة ليصل بالتلميذ إلى أبعاد أعمق فى التفكير، أو فى الكتب المستخدمة التى تتيح وتساعد المدرس والتلميذ على تناول المواضيع على مستويات مختلفة، او فى وسائل التقييم المتعددة التى لا تقيس فقط كم يحفظ الطالب بل تقيس أيضاً أين هو من مراتب التفكير المذكورة سابقاً.
الأهم من سرد الفوارق والنظريات التركيز على النتيجة المترتبة على هذا الإختلاف. فالنتيجة المترتبة على محورية مثل هذه النظرية فى النظام التعليمي الحديث لفترة طويلة من الزمن هو تخرج أجيال تربى تفكيرهم على عدم السطحية، أجيال تجعل كل مايقدم إليها يمر بمراحل مختلفة من الفهم والتحليل والتقييم مما يجعلهم متعلمين نشطين يتفاعلون مع المعلومات، يرفضون ما لا ينفعهم ويطبقون ما يتعلموه بل ويضيفون إلى العلم. أجيال تربت على التفكير الإبداعى والخلاق مما يدفعهم دوماً إلى التطوير والإنطلاق للاحسن والافضل. تختلف تماماً هذه الشخصية الخلاقة المبدعة عن الشخصية الداجنة المطيعة التى أقصى ما تستطيع أن تفعلة هو ما يملى عليها فقط.
هذه المقالة يمكن ان تصنف على أنها مقالة تحليلية تسلط الضوء على فوارق جوهرية بين التعليم المصري والتعليم الغربي. نستطيع من خلال هذه دراسة هذه القارنة أن نغير تدريجيا من نظامنا التعليمى وتغييرالثقافة العامة من ثقافة القطيع إلى ثقافة القادة المؤثرين. ولكن يستطيع القارىء العادى ايضا اذا كان مدرسا أو أباً  أو أماً أن يستخدم المقالة ليحدث فرقاً مع أولاده. وذلك عن طريق استعراض المستويات الستة للتفكير عند اي موقف تربوي او تعليمي ثم يسأل أسئلة إضافيه مقابلة لمستوى التفكير المرجو الوصول إليه. مع الوقت تدفع هذه الأسئلة الأطفال للإنتقال لمستوى أعلى من التفكير. كما يمكن ايجاد المزيد عن هذه النظرية وتطبيقاتها فى الكتب أو على الإنترنت.

Friday, January 15, 2010

أطفالنا والمستقبل

مع التعديلات الوزارية الجديدة خاصة فى وزارة التربية والتعليم ومع تعطل الدراسة هذا العام فى أغلب المدارس بالمدن الكبرى بسبب أنفلونزا الخنازير، يتبادر الى الأذهان تساؤلات كثيرة عن واقع التعليم ومستقبل أطفالنا فى مصر.

فى محاضرة مفيدة جدا للدكتور أحمد زويل فى الرياض والتى أذيعت فى أكثر من قناة فضائية الأسبوع الماضى تحدث الدكتور زويل عن الفارق الشاسع بين الدول المتقدمة والدول النامية مع عرض أمثلة مختلفة عن هذه الفوارق. ذكر د. زويل الفوارق فى ثلاث مجالات وهي الصحة والتعليم والعلوم العسكرية. بالنسبة للصحة أكد أنه بينما تنشغل الدول النامية بتأسيس النظام الصحى وانشاء المستشفيات تخطت الدول المتقدمة هذه المرحلة الى مرحلة العلاج الجينى مع البحث عن علاج الجينات المسؤولة عن الكثير من الأمراض وأنهم أصبحوا يدرسون ويتابعون الأمراض على مستوى الجزيئات وتفاعل الجزيئ مع العلاج. بالنسبة للتعليم ضرب د. زويل مثال اهتمامات واسئلة ابنه ذو الثلاثة عشر عاما عن الخريطة الجينية ومظاهر الحياة على المريخ فيما لايزال التعليم فى الدول النامية تعليم كلاسيكى أو تقليدى يعتمد فقط على الحفظ والاسترجاع وان نسبة الأمية في الدول العربية تقارب الـ 20%. أما بالنسبة للعلوم العسكرية تحدث عن تباهى الدول النامية بالطائرات الحربية الجديدة الموجودة بترسانتها بينما بدأت الدول المتقدمة فى أبحاث وضع مستعمرات فى القمر والمريخ لأغراض دفاعية أو استكشافية.

أشار د. زويل أن الحل يكمن فى "الاستثمار فى المستقبل" وخاصة الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى. والجدير بالذكر أن د. زويل أكد على ضرورة التعجيل بالاستثمار فى التعليم لأن الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة تقارب الخمسون عامًا. يقول جارى ماركس فى مقدمة كتابه القيادة المستقبلية (Future Focused Leadership) وهو يقصد بالتحديد التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية أن البقاء ‘محلك سر’ هو عبارة عن تذكرة مضمونة الى الفناء. ولأن العالم يتحرك الأن بسرعة شديدة ستتمكن فقط الدول والمجتمعات والمؤسسات التى تستطيع أن تكشف عن القدرات العبقرية للأفراد من خلال أحسن نظام تعليمى، من أن تمضى قدمًا للأمام بسرعة غير مسبوقة.

د. زويل يتحدث عن فرق الخمسون عامًا وجارى ماركس يكشف عن توجه الإدارة التعليمية بأمريكا للمضى بمعدل أسرع للأمام فأين نحن من هذا كله؟ أقول أننا فى أحسن تقدير مازلنا محلك سر والدلائل كثيرة. اذا عقدنا مقارنة بين الاجيال التي تعلمت في مصر مع استثناء بعض المناهج الدولية ومادة الكمبيوتر يؤكد كل جيل على أنه تلقى تعليمًا أفضل من الجيل الذى يليه. والمبرر لهذه المقولة من المنظور التربوى أنه بمرور الوقت تطور العالم وتغير ولم يتغير التعليم في مصر أو لم يتغير بالصورة المطلوبة. وإذا أضفنا الى ذلك ضعف الإمكانيات الحالية وزيادة الأعداد والكثافات فإن النتتيجة الحتمية أن اللاحق يتلقى خدمة تعليمية أقل من السابق. إذا ضربنا مثلا مقارنة بين جيل الجد والجيل الحالي نجد أن الجد تلقى علما متوائما مع زمنه فى مدارس تعتبر جديده فى ذلك الوقت بطرق تعليم أقرب لذلك العصر . أما الحفيد يتلقى الآن تعليما فى نفس المدرسة القديمة ولكن مزدحمة وغير مجهزة بنفس طرق التدريس ومناهج لا تختلف كثيرا عن ما سبق مما يجعلهم غير مناسبين وأقل كفاءة مما سبق.

وعلى مستوى أعمق قليلا نجد أن المناهج الدراسية المصرية لم تتغير كثيرا منذ قيام الثورة إنما اختلف قليلا التقييم فى المرحلة التى تسبق دخول الجامعه أى أن المناهج مازالت عالقة فى زمن سابق من حيث المحتوى ومن حيث المهارات المرتبطة بالمناهج. كما أن المدرس ومعاهد الندريس لم يلقوا الاهتمام المطلوب وتؤكد أغلب المراجع التربوية أن المدرس عادة ما يدرس بالطريقة التى تعلم بها لذا تهتم الدول المتقدمة بتأهيل المدرسين بطريقة مختلفة ليتمكن من تطوير اداءه ومواكبة التطور والتغير السريع للعصر ولمتطلبات التعليم. مع العلم ان علم التربية خاصة من العلوم الجديدة التي تتغير بسرعة شديدة. من خلال دراستي في مجال التربية استطيع ان اقول ان النظريات التربوية تتغير بمعدل سريع حتى انه لا يقبل بحث في كليات التربية الامريكية يستخدم مراجع اقدم من خمس سنوات من تاريخ تقديم البحث. لذا نجد ان مدرسينا مازالوا عالقين ايضا فى الزمن القديم بل وبكفاءة اقل نتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة أدت الى تشويه صورة ووضع المدرس فى المجتمع مما أثر مجددا على أداءه. أما عنصر الكتاب المدرسى للأسف ايضا تشعر أنه ينتمى لعصر غير العصر الذى نعيش فيه لذا فى أغلب الحالات يتم استبداله بالملخصات والملازم.

ما أحاول أن أوضحه هنا هو تقييم العملية التعليمية من زاوية مواكبة عناصرها المختلفة للزمن. كما قال د. زويل انه حتى نتمكن من تقليص الفارق علينا النظر للمستقبل. ويؤكد هذا المعنى جارى ماركس فى نفس الكتاب بأن التربويين عليهم أن يتحلوا بالمهارات القيادية التى تجعل المستقبل نصب أعينهم ومحور خططهم وقراراتهم مما اسماه بالقيادة المستقبلية. ويعطى مثالا بسيطا أن الكثير من طلبة مدارسنا فى مرحلة الحضانة الآن سيعيشوا ليشهدوا عام 2100 وأن خريجى الثانوية العامة هذا العام سيكملوا عامهم الـ 65 فى 2057 وممكن أن يعمروا الى عام 2080 مما يعنى أن المستقبل يشكّل داخل مدارسنا الآن.

الصورة ليست قاتمة بل بالعكس مبشرة جدا خاصة اذا نظرت فقط الى اطفالنا. ستجدهم دوما مفعمين بالحماس بصفحات بيضاء مع استعداد كامل لتقبل كل ما نعطيه لهم والمزيد. علينا فقط أن نبدا نحن كمربين في المنازل والمدارس أن نعترف ان ما تعلمناه سابقا لم يعد ينفع الآن وأن علينا ان نوفر لأطفالنا الجديد الذى يتوائم مع المستقبل أو على الأقل أن لا نقيدهم فى حاضرهم وماضينا بل نتركهم ليصيغوا مستقبلا مشرقا لهم.

الحمد لله انها انفلونزا الخنازير

اصبت الاسبوع الماضي بالانفلونزا واتضح من تحليل احد المعامل الخاصة انها انفلونزا الخنازير. تناولت موضوع انفلونزا الخنازير من نواحي مختلفة في مقالين سابقين ولكني وجدت اني ساقدم للقارئ زاوية جديدة عندما اتناوله من وجهة نظر المريض.

عندما ظهرت نتيجة التحليل الايجابية بدات ارى بعض المشاكل المرتبطة بالثقافة العامة التى صعبت التعامل مع هذا لمرض البسيط. تأكد لى أن الثقافة العامة عندنا ليست ثقافة مبنية على العلم بل تعتمد أكثر على العاطفة والانفعالات. كما تأثر الوسط الطبى بهذه الثقافة أيضا وموضوع الانفلونزا خير دليل.

عندما ظهرت النتيجة الإيجابية استعرضت فى ذهنى شريط المعلومات عن المرض والعدوى ولكنى اؤمن بالتخصص لذا اخذ قراراتي الصحية من الطبيب المعالج بعد مناقشته. وهنا بدات مرحلة الشك لأن ما طلبه منى لا يتماشى مع المعلومات التي جمعتها فبدات أسأل أطباء آخرين وأتابع الأطباء المستضافين على شاشات الفضائيات راجيا هذه المرة كمريض الحصول على معلومات محددة شافية. ولتتابع ما أقول حاول أن تجد اجابة جامعة للأسئلة التالية وستجد اختلافات كبيرة بين الاراء:

- ما هي فترة العدوى بالضبط قبل ظهور الأعراض وبعد انتهاء الأعراض؟

- هل الأعراض التي تحكمنا في موضوع فترة العدوى هى الحرارة أم الكحة أم ماذا؟

- متى يصبح التامى فلو غير فعال او بدون فائدة؟

- من يأخذ االتامى فلو تحديدا هل الفئات الخطيرة فقط أم أى مصاب بأنفلونزا الخنازير؟

- من ياخذ الجرعه الوقائيه للتامي فلو؟

كل هذه السئلة لها إجابات ولكنها ليست محددة. ولكنى كمريض يحدث معي فرقا هائلا أن ابقى يوما إضافيا معزولا عن أطفالى الصغار اللذين لا يعلمون ما يعييني كما انهم يروني ولكن لا يستطيعون أن يقتربوا مني.

أحسست أنه حتى الأطباء يستقون معلوماتهم عن هذا المرض بالذات من الاخبار والفضائيات والجرائد والانترنت وان معظمهم سلك مسلكا غير علمي في تناول المرض. الشاهد الأول لهذا المسلك أن أغلب الأطباء فى تحليلهم وتشخيصهم اختاروا الرد على الأسئلة باختيار أحد الاراء المتناثرة فى المراجع المختلفة بدون ذكر الآراء المختلفة او شرح تفضيله لهذا الراي او ذاك. مثالا على ذلك سؤال فترة امتداد العدوى. تجد احد الاطباء يخبرك انها اسبوع من بداية الاعراض واخر ياكد انها يومان بعد انتهاء الحراره بدون خافض حراره. الاختلاف ليس كبيرا لكنه محير جدا للمريض. المتوقع من الاطباء المتخصصون ان يذكروا مدى تنوع الاراء والسبب العلمي لتفضيله.

الشاهد الثاني على السلوك الغيرعلمي ان الاطباء انساقوا وراء الانفعالية والذعر المربتطين بانفلونزا الخنازير بل وساهموا في تفشي حالة الذعر. ابسط مساهمة ان اغلب الاطباء اضافوا الى قاموس تشخيصاتهم لاغلب حالات البرد كلمة "اشتباه"، والمقصود اشتباه في انفلونزا الخنازير. وعندما يسمع الاب او الام هذه الكلمة تبدا حالة الذعر التي تصيب البيت والاسرة الممتدة والجيران بل والمدرسة واذا اضفت ثقافة الشائعات التي سافرد لها مقالا خاصا ننتقل من حالة الذعر الى حالة الفوضى. مع العلم ان الاطباء اكثر الناس علما انه فيروس انفلونزا ضعيف لا يستدعي اي علاج استثنائي او قلق اضافي. اضرب مثال الحوار بيني وبين طبيب اطفال بعد الكشف على ابنتي وعمرها سنة ونصف منذ اكثر من شهر. خلص الطبيب انها حالة انفلونزا فيروسية انها يمكن ان تكون H1N1 بنسبة 5%. وبدا يصف مضاد حيوي مع انها لسيت من عادته في حالات الانفلونزا ولهذا انا معجب به، فسالته هل سيعالج هذا الانفلونزا حتى لو كانت H1N1 فقال لا ولكنها اجراءات احترازية. وتعجبت من ذلك لان لو اعطى الاطباء دواء لكل مرض او عرض احتمالية حدوثه 5% سيكتبوا لنا المئات من الادويه عند كل زيارة.

ما ذكرته يعتبر مؤشرا لانزلاق الكثير من الاطباء في سلوك غيرعلمي عند تعاملهم مع انفلونزا الخنازير. اما بالنسبة للعوام فالثقافة الغير العلمية هي السائدة. تجد المذيع فى الفضائية ياتي بالخبر او التحقيق المحمل بالبيانات والتصريحات والحقائق العلمية لكنك تجد الاسئلة ورد فعل الناس غير مرتبط بالحقائق المذكورة بل مرتبط بالتهويل من قبل الاعلاميين. اضرب مثالا على ذلك الحقائق والاحصائيات التى ترد يوميا على شاشات الفضائيات بخصوص انفلونزا الخنازير. أولا: فيروس انفلونزا الخنازيراضعف من فيروس الانفلونزا الموسمية وأعراضه ومضاعفاته مشابهة لما اعتاد عليه الناس في حالات الانفلونزا. ثانيا: ان نسبة الشفاء من المرض تتعدى ال 98% بدون علاج. ثالثا: يوجد علاج فعال لهذا المرض كما يوجد تطعيم ضده. رابعا: نسبة الإصابة فى مصر والوفيات لا تشير لأى خطر او وباء. عدد المصابين حوالى 14 الف مصاب أى اقل من 0.02 % من السكان، كما ان نسبة الوفيات من المصابين اقل من 1%.

من المنظور العلمى حتى الآن لا يعتبر المرض من الامراض الخطيرة باي مقياس ولم يصل بعد لدرجة الوباء في مصر من حيث سرعة الانتشار أو معدل الوفيات. اعلم انه مهما حصرت من بيانات واحصائيات علمية لن اغير من ذعر الكثيرين. لذا من المنظور الشخصي كشخص اصيب بالمرض اللعين اعلم اني اصير اكثر اقناعا خاصة واني من الفئات المعرضة للمضاعفات الخطيرة لاكثر من سبب كما ان لي رضيعه اقل من شهرين لا ينفع معها تطعيم او تامي فلو ولي ابن مصاب بحساسية الصدر ووالدي مريض بالقلب والضغط والسكر ويعيش بنفس المنزل. بالرغم من هذا كله اقول لكم انه دور عادي جدا ارتفعت درجة حرارتي لمدة يوم ونصف ونزلت بالكماداب وخافض الحراره كما تعافيت في ثلاثه ايام من اغلب الاعراض. والحمد لله باتباع الوقاية الصحية البسيطة لم ينتقل المرض لاي فرد من افراد عائلتي. لذا اؤكد مجددا من التجربة الشخصية انه مرض بسيط بل واقول احمد الله اني اصبت بانفلونزا الخنازير عن اي انفلونزا اخرى.

من فوائد أنفلوانزا الخنازير

بالرغم من الذعر الهائل المتولد نتيجة إنتشار أنفلوانزا الخنازير والتناول الغير العلمى لهذا المرض فى وسائل الإعلام المتعددة، وبالرغم من إهدار مئات الملايين من الجنيهات على أدوية لا فائدة منها وأمصال لم تثبت كفاءتها ومنظفات مبالغ فى أسعارها مازال هناك بعض الايجابيات التى يمكن أن نستفيد منها على الأقل من الناحية التربوية. أتناول منها فى هذا المقال زيادة الوعى الصحي كما أناقش غيابه عن المناهج الدراسية.

تسببت فوبيا الخنازير في اكتساب عادات صحية جيدة على المستويين الشخصى والمجتمعى. أصبح غالبية المصريين مهتمين بالنظافة الشخصية وغسل اليدين بكثرة وسد الفم عند العطس والكحة. كما قلت العادات السيئة كالمشاركة فى الشرب من نفس الكوب أو استخدام نفس أدوات الاكل والنظافة الشخصية. كما قلت القبل التى ‘يغسل بها الجبين’ بل والوجه كله. وبدأ الناس يحفظون مسافة آمنه تفصل بينهم وبين الاخرين حتى فى التجمعات المزدحمة. كما انتشرت ثقافة التهوية فى البيوت والاماكن المغلقة التى تقلل من الكثير المشاكل الصحية والامراض. بل وزاد وعى أولياء الامور فى إبقاء أولادهم فى المنازل وعدم إرسالهم إلى المدارس عند مرضهم. ويساهم هذا الوعى فى الحد من الكثير من الامراض المعدية وخاصة الأنفلونزا بأنواعها المختلفة. كما يساهم هذا الوعى في التقليل من إنتشار الامراض المرتبطة بانتقال الميكروبات من على الاسطح المتسخة التى تسبب النزلات المعوية والالتهابات المختلفة. وتساهم هذه الثقافة الصحية بالأخص من الحد من إنتشار فيروسات الكبد التى تنهش فى أجساد الكثير من المصريين بصفة خاصة وتعتبر من اهم الامراض المتفشية. لذى نجد ان الإجراءات الوقائية المتبعة للحد من انفلونزا الخنازير تساهم فى الحد من الكثير من الامراض الاخرى الاكثر انتشارا والاكثرفتكا بالشعب المصري.

أعلق أيضا على المصدر الرئيسى للتوعية فى هذه القضية وهو الاعلام. وقد لعب الاعلام دوراً أساسياً فى التأكيد واالتنبية على العادات الصحية المطلوبة. فى المقابل نجد ان مناهجنا الدراسية تكاد تخلوا من التوعية الصحية او على الاقل لا تتناولها بالشكل الكافى او المطلوب. اذا قارنا بين مناهجنا ومناهج أغلب الدول المتقدمة نجد ان التربية الصحية تكون جزءا رئيسيا من المناهج الدراسية بل توجد العلوم الصحية كمادة دراسية اساسية فى الكثير من الدول. لذا نقول أيضاً أنه من واجب المسئولين عن التعليم أن يضموا داخل التعليم الاساسى كل معلومة ومهارة مطلوبة للتعايش والنمو الطبيعى للأفراد داخل المجتمع. والتربية الصحية أساس مهم لضمان صحة الافراد والمجتمع لذا يجب ان تدرج في المناهج الدراسية المصرية.

اعتمدت مجتمعاتنا الشرقية سابقاً فى مجال اتربية الصحية على تناقل هذه الثقافة عبر الاجيال داخل المنزل عن طريق نقل العادات الصحية من الجدود الى الاباء ثم الابناء وهكذا. كما اعتمدت ايضاً على اشتمال الثقافة الدينية خاصة الاسلامية للثقافة الصحية فى الكثير من الامور مثل فقه الطهارة والاداب الصحية الكثيرة الموجودة فى السنة النبوية المطهرة. ولكن مع اشتداد الضغوط الاقتصادية التى ترتب عليها عمل الاب والام ساعات طويلة واحيانا الاطفال ايضا، قل التواصل بين الاجيال سواء فى نقل الثقافة الصحية والدينية. كما استنفذ التعليم الرسمى باقى الوقت لدى الاس، فاقتصر المنقول للمجتمع على محتوى المناهج الدراسية. مما يضع عبئاً ثقيلا على هذا المحتوى الذي للأسف كما ذكرت سابقا لا يساهم بشكل فعال في التربية الصحية.

لذا آمل ان يبقى الوعي الصحي اوعلى الاقل ان يدرج فى مناهجنا الدراسية عندما تنقشع الغمة )فوبيا انفلومنزا الخنازير( او عندما تتجاهله الوسائل الاعلاميه الى مواضيع اخرى. حفظكم الله.

ماذا لو أغلقنا المدارس؟

شاهدت منذ عدة أيام على برنامج البيت بيتك حوار مهم جدا للدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة عن انفلونزا الخنازير. تفاءلت لوجود مسؤول حكومى على رأس المسئولية يتعامل بعقلانية وحكمة لا تنجرف وراء الانفعالات والذعر العشوائى. كما انه لا يتساهل أو يفرط وقادر على أخذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة أو الممكنة. لكن مقدم البرنامج الشهير بدأ بمقدمه تعكس حالة الذعر الشديد الموجود بالشارع. وللأسف أنهى الحديث قبل ان يبدا بوصوله الى نتيجة مسبقة انه مهما حدث لن يرسل ابناؤه الى مدارسهم لمدة شهرين مهما حدث وتسائل لماذا لا بتم اغلاق المدارس. رد د. حاتم الجبلى بمنتهى الثقة من منظور احصائى أن الولايات المتحدة الأمريكية بها مثلا 63 مليون حالة حتى اليوم وأن دول كثيرة بها أضعاف الحالات الموجودة فى مصر ولم يغلق أحد المدارس بل انه قال "لم يغلق احد على هذه الكرة الأرضية المدارس".

اتناول فى باقى هذا المقال التبعات المختلفة لقرار ان تم تنفرد به على مصر على مستوى العالم وهو اغلاق المدارس. قبل ان ابدا بتحليل التبعات ازعم اننا لو اغلقنا المدارس لن نساهم فى وقف الوباء لأننا لن نوقف مظاهر الحياة الاجتماعية. سيظل الناس يتزاورون ويذهبون الى المجمعات التجارية وملاعب الاطفال والسينمات والمسارح، الخ. والأسوأ من ذلك الظاهرة التي زادت مع بداية هذه الازمة وهي زيادة الدروس الخصوصية بصفة عامة وفى المراكز الخاصة التى يوجد بها كثافات أكبر وتهوية ورقابة أقل مما يساهم في انتشار اكبر للمرض.

من الناحية التربوية والاجتماعية اغلاق المدارس يعنى تغير النظام الاجتماعى واليومى للأطفال والأسر لمدة عام كامل مما يترتب عليه تغيير مفاجئ فى العادات والسلوك والعلاقات. كما يؤثر على العادات الصحية والغذائية والجسدية لنمو الأطفال. اضرب بذلك مثلا الفارق الكبير بين النظام اليومي للاطفال خلال العام الدراسى وخلال فترة الصيف. نرى عادات مختلفة وأنماط يومية عشوائية كالاستيقاظ متأخرا والساعات الخاملة الطويلة أمام التلفاز والالعاب الغير مفيدة. ومن الناحية التربوية ان الأطفال يستفيدون من وجود روتين يومى لحياتهم يضبط متى يتعلمون ومتى يأكلون ومتى ينامون. حين نغير كل هذا للطفل على مدار فترة طويلة قد تصل بهم لضرر شديد وفى أقل الظروف تصل لنتيجة غير متوقعة لسلوك يصعب التعامل معه.

من الناحية الاقتصادية يكلف التعليم خزانة الدولة مبلغ 20 مليار جنيه سنويا كما تمثل استثمارات التعليم الخاص ما يقارب ال 50 مليار جنيه. وتتداول المدارس الخاصة بين مصروفات دراسية ومصاريف ما يقارب ال5 مليار جنيه سنويا.

وهذا الحجم الكبير من الاستثمارت يوجب التأنى الشديد قبل التفكير حتى فى أخذ قرار بوقف أو تعطيل هذه الحركة المالية الضخمة.

يعمل فى مجال التربية والتعليم ما يقارب 1,6 مليون موظف لا يستطيع احد أن يعطل حياتهم بدون وجود ضرورة حتمية لذلك. كما ان الاغلاق لن يؤثرفقط على العاملين فى التربية والتعليم ولكن في مجالات اخرى ايضا. عدد كبير من الأمهات العاملات سيضطرون للبقاء لرعاية أبنائهم مما يؤثر على قطاعات أخرى كبيرة تعتمد على السيدات. كما أنه سيضع الكثيرين فى مواقف قضائية وأزمات مالية من أصحاب مدارس ومدرسين وأولياء أمور. لأنه فى حالة توقف المدارس سيمتنع الكثير من أولياء الأمور من دفع المصاريف مما يترتب عليه توقف أصحاب المدارس عن دفع الرواتب أو الاستغناء عن الكثيرمن المدرسين مما يوقع الجميع في مشاكل كبيرة.

ومن الناحية السياسية تقبل الدولة على مرحلة تغيير كبيرة فى انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية فهل تستطيع الدولة التعامل مع الملايين المتضررين من وقف التعليم. هذه الوقفة تمثل أزمة داخلية كبيرة يصعب التعامل معها لأنك تدفن طاقة انسانية كبيرة داخل المنازل وتغيير بطريقة غير مدروسة اهتماماتهم وأولوياتهم.

فى النهاية قد تضطر الدولة الى وقف التعليم فى حالات كثيرة كالحرب والوباء الحقيقى ولكن قبل اتخاذ هذا القرار يجب على المسئولين دراسة هذا الأمر وتبعاته جيدا كما يجب على الجمهور والاعلاميين ادراك صعوبة وخطورة اتخاذ هذا القرار. حفظنا الله واياكم.

Introduction

Dear Readers,

I have entered into the field of journalism through publishing weekly articles in Ahrar daily newspaper (Egyptian newspaper that is under Ahrar liberal party of Egypt, even though I am not a member of the party). I started this blog to share those articles, receive feedback and create a meaningful discussion about those topics. The focus of my articles are mostly on education in Egypt and its effect on contemporary issues.

I hope you enjoy this blog and that we share fruitful discussion through this online medium.

Best Regards,
Khaled Al-Qazzaz
January 15th, 2010