Sunday, March 14, 2010

عصفوران فى القفص

فى ظل الوضع الراهن والمطالبات بالتغير والتطوير أرى استجابة الناس لهذه المطالب على حالين أشبههم بعصفورين فى قفص، عصفور ولد ونشأ وتربى داخل القفص وعصفور ولد ونشأ وتربى فى البرية ولكنه اسر داخل القفص.
 أما العصفور الأول، وليد الأسر، تراه هادئا مستكينا ينتظر أن يطعم ويسقى من سيده، يستمتع بالألعاب بل يغنى ويصفر أحيانا، بل يكاد لا يرى أي شئ خارج القفص إلا إذا أتى سيده أو المتفرجون فيسعد أكثر ويغنى ويصفر بصوت أعلى املا أن ينال رضي واعجاب المتفرجين. اما إذا ما أهمله سيده، تجده لا يقوى على إطعام نفسه ولا حتى إخراج فضلاته خارج القفص فتسوء حالته وشكله ورائحته حتى يحن إليه سيده مجددا ويهتم به من جديد. وإذا ما فتح له باب القفص الصغير تجده لا يراه ولا يكترث به، بل لا يرغب حتى فى الخروج منه، ولكن إذا ما خرج أثناء حركته العشوائية دون قصد منه، تجده لا يعرف العالم الخارجي ولا يستطيع أن يمد جناحيه ولا يقوى على الطيران اما لأنهم قصوا جناحيه أو لأنه لم يستخدمهم مسبقا. كما انه لا يستطيع أن يطعم نفسه أو يحمى نفسه، قليلا وتجده يحاول العودة إلى القفص فان لم يستطع يعيش قليلا وما يلبث أن يموت غير قادر على العيش بحرية.
أما العصفور الثاني، ولد فى جو الحرية منذ صغره تعلم الطيران والتحليق فى السماء عاليا، تنفس هواء نقيا فى طبقات السماء المختلفة، تعلم أن يقتات بنفسه، ان يختار وجهته شمالا او جنوبا، شرقا او غربا، التحق بباقي أفراد عائلته أو سربه أو أبناء فصيلته. ثم بدون مقدمات وقع فى الأسر وقدر له أن يبقى داخل قفص حديدي يرى خارجه ولا يستطيع مغادرته، مجبر على نوع الأكل  والشراب والمناظر، لا يكاد يختار شيئا. تجده دوما فى حالة ثورة، يحاول ان يطيرفيصطدم بالجدران ويسقط، ثم يحاول مجددا ولا يهدأ إلا عندما تنهار قواه ويتعب فيستريح ويعاود مجددا. كما تجد صوته أميل إلى الصياح والغضب أكثر منه غناء وصفيرا. تجده لا يكترث لما يقدم له من طعام وشراب إلا عندما يصبح مضطرا، عينه دوما معلقه بالفضاء الخارجي حتى انك تظن انه يحلم. يامل أن يعود مجددا إلى التحليق فى الحرية. وإذا ما فتح الباب خطأ أو صوابا تجده ينطلق مسرعا للفضاء فاردا جناحيه طائرا بلا عودة، فإذا ما بقي فى القفص اما ان ينهار ويستكين أو يموت بعد أيام قليلة لأنه لا يستطيع أن يعيش بدون حرية.
يلعب التعليم دور أساسيا فى صناعة القفص والتربية على العيش داخله. كما يستطيع التعليم أن يصنع قفصا خياليا ذو قدرة اكبر على الأسر لأنه يأسر الأفكار، وياسر الشعور بالحرية، والقدرة على العيش بحرية. التعليم الجيد هو ما يربي على الاختيار، كما يحارب القوالب المغلقة فلا يعد للطفل إجابات مغلفه، معدة سابقا بل ويترك الطفل ليسبح بعقله ويكتشف وينطلق. التعليم الجيد يربى على الذاتية والاعتماد على النفس، فلا يعتمد على الآخرين بما فيهم المدرسين والآباء كمصدر للمعلومات أو مصدر للغذاء النفسي والعقلي. كما يعتمد التعليم الحر على التدريب والاستعداد للانطلاق وليس التدريب على التأقلم فى الأجواء الخانقة والمغلقة. لذا علينا أن ننتبه ونختار جيدا التعليم الحر المناسب لأولادنا ولا نتركهم وحظهم للنظام الموجود أو المتوفر، وان لم نجد تعليما مناسبا على الآباء والأمهات إكمال مهمة التربية على الحرية بأنفسهم من خلال أنشطة وتجارب هادفة.

No comments:

Post a Comment