Monday, February 1, 2010

حمى الامتحانات

تهل علينا هذه الأيام فترة امتحانات منتصف العام والتى تجسد روح الصراع بين غالبية الأسر التى لها أطفال وشباب فى مراحل التعليم المختلفة ونظام التعليم المصري. تشعر انه الدور قبل النهائي للبطولة الكبرى، بطولة حصد الدرجات، فالفائز الأكبر هو الذي يستطيع أن يجمع اكبر قدر من الدرجات بأقل الخسائر. ويبذل فى سبيل هذه الغاية الغالي والنفيس من أموال وأوقات للاستعداد لهذا الحدث الهام. فتتوترالأعصاب وتصل درجة الاستعداد والطوارئ لأعلى مستوى فتمنع الزيارات والفسح، وتمنع المكالمات إلا فيما يتعلق بالاستعداد للدروس المختلفة. أما المدرب العام والمدير الفني فى هذه الحالة هو زعيم الدروس الخصوصية المدرس ذو القدرة على التلخيص بدون فقدان الألفاظ الأساسية المطلوبة فى ورقة الإجابة، والقدرة على إجبار التلاميذ على حفظ كل ما يقدم إليهم من معلومات باستخدام كافة الوسائل من ضغوط نفسية وواجبات واختبارات حتى يتمكن من التأكد أن الحشو تم فى رأس التلميذ. ومن المضحكات المبكيات فى هذه العملية تجد أن محاولة الطالب للفهم بالنسبة للمدرس ذو الشعبية الكبيرة هي محاولة لتضييع الوقت لأنها ستعطله وزملاؤه عن الحفظ. وان التلميذ مأمور أن يحفظ المعلومة حتى لو تأكد للمدرس أنها خطأ مطبعي. ومن المبكيات أيضا أن الطلبة تحفظ موضوعات الرسم وتحفظ موضوعات التعبير وتحفظ إثباتات النظريات الرياضية بل وتحفظ أيضا نماذج أسئلة الرياضيات بأرقامها، كما يتم حفظ الخرائط والخصائص والايجابيات والسلبيات بلا تحليل أو تعديل. كما أنها تحفظ الإجابات بمفرداتها وألفاظها كما وردت فى المقرر الدراسي فماذا كان مرادف كلمة بديع هو جميل لا تستطيع أن تستبدلها بحسن أو طيب.
من المحزن ان كل هذا المجهود وكل هذه الاستثمارات يضيع اغلبها فى الهواء والمثال على ذلك انه عادة عندما نختبر طالب شهادة الإعدادية الذي حصل على 90% في الاعدادية باستخدام نفس الامتحان أثناء التقديم لمرحلة الثانوي لا يحصل على أكثر من 60%. وان فى مقابلاتنا لخريجي الثانويات الفنية والتجارية ينكشف لنا أكثر من ذلك، نجد الكثير يعاني من صعوبات شديدة في الكتابة.
الشاهد هنا أن التركيز فى العملية التعليمية عندنا يعتمد على الحفظ فقط وان المستهدف الحقيقي هو الحصول على أعلى الدرجات بغض النظر عن التحصيل الحقيقي أو الكشف عن المهارات المكتسبة. ولكنى أتعاطف أيضا مع أولياء الأمور فى كثرة الضغوط فالمسابقة تبدأ فى مرحلة مبكرة لان أول شهادة تعليمية معتمدة هي شهادة الصف الثالث الابتدائي، ونتيجة طبيعية للتعليم الرسمي المصري أو مسابقة الحفظ أن الطالب يفقد درجات اكبر كلما تقدم فى المراحل الدراسية المختلفة. فإذا أخذنا مثالا افتراضيا من واقع الخبرة انه اذا حصل تلميذ على 98% فى الصف الثالث الابتدائي سيحقق تقريبا 95% فى الصف السادس وبالتالي 90% فى الإعدادية وتكون نتيجته النهائية فى الثانوية العامة حوالي 80%. فإذا كان الأب أو الأم طبيبا أو مهندسا أو يرغب بشدة أن يدخل ابنه أو ابنته الطب أو الهندسة سيعيش بداية من الصف الثالث أو الصف السادس حياة مضغوطة وصعبة جدا عليه وعلى أولاده لان الحلم بدأ فى التلاشي ولان المجموع المطلوب لكليات ما تسمى بالقمة لا تقل عن 95% فى الثانوية العامة. مع انه من المعلوم أن التصنيف الاجتماعي للكليات بكليات قمة وقاع غير منطقي بل ومضر حتى بالتوزيع الوظيفي لاحتياجات المجتمع للوظائف المختلفة.
وللأسف يترتب على هذه المسابقة المحمومة عدة ظواهر اجتماعية واقتصادية ضارة أولها ضياع بلايين الجنيهات فى النظام تعليمي والدروس خصوصية. ثانيا: ضغط نفسي واجتماعي شديد على التلاميذ وقد سمعنا عن حالات أو محاولات انتحار بين طلبة الثانوية العامة كما أن طاقات التلاميذ وذكاءاتهم المختلفة تحبط وتكبت لان التركيز فقط على الطلبة المتفوقين في الحفظ كما يصنف الآخرون بالفشل منذ سن صغيرة ومثال على ذلك ابنة احد أقاربي امتنعت عن حضور التجمعات العائلية لحصولها على الـ 90% فى الإعدادية. ثالثا: وهى حالة اجتماعية خاصة تنفرد بها مصر وهى فترة الامتحانات التى تشل جزئيا الحركة الاقتصادية والاجتماعية. وللعلم أن اغلب الدول الغربية تتجه إلى إلغاء الامتحانات الرسمية المعممة على الدولة. ففي كندا مثلا لا يوجد شهادة عامة واحدة فكل مدرسة لها الحق أن تعطى شهادة تخرج معتمدة تقبلها كل الجامعات، وأمريكا أيضا لا يوجد بها امتحان رسمي عام وكل مدرسة أيضا تعطى شهادتها ولكنها تضيف امتحان اختياري (SAT) عن طريق احد الشركات الخاصة وهو مطلوب فى الكثير من الجامعات الامريكية، وفى انجلترا يوجد اختبار واحد فقط فى آخر المرحلة الدراسية فى المواد الدراسية المختلفة قبل الدخول للجامعة.
استخلص من السابق ذكره أنى تناولت الأضرار الناجمة عن حمى الامتحانات فى بلدنا ومن الممكن للأفراد والمجموعات أن يتلافوا الكثير من الاضرار حتى فى ظل نظام قديم يحتاج للكثير من التطوير وذلك عن طريق التعامل العقلاني مع الامتحانات وعدم خوض السباق بهذا الانفعال. كما يجب التركيز مع الأولاد على الفهم والتطبيق ومناقشة المواضيع التى تتم دراستها فى المدرسة وأن فترة الامتحانات كغيرها من الفترات بجدول نوم واكل ومذاكرة منتظم لا ينقطع التلميذ عن محيطه الاجتماعي، كما لا ينبغي ان يحاسب الابن على الدرجة ونصف الدرجة بل يشجع على ما أحرزه من تقدم بالمقارنة بمستواه. كما لا يجب ان يحاسب حساب عسيرا على المواد التى لا يتقنها فليس كل الطلبة بارعين فى الرياضيات أو الرسم أو التعبير. يجب أن يتسع أفق الأب والأم ليروا أن النجاح غير مرتبط بكلية معينة كالطب والهندسة المهم أن يتحلى الطالب بمواصفات النجاح وان يكتشف ما يتقنه وما يحسن عمله وعلى هذا الأساس يختار الطالب كليته ومجال عمله بعد الدراسة بدون ضغط فى أي اتجاه. هذه القناعة ستخفف الكثير من الضغوط داخل المنازل وتساهم فى إعطاء التلاميذ فرصة اكبر لإبراز مواهبهم وطاقاتهم خارج دائرة المسابقة المحمومة وتعود بالنفع على المجتمع ككل.
م/ خالد القزاز
مدير احد المدارس الدولية بالقاهرة
k.alqazzaz@gmail.com

No comments:

Post a Comment