Sunday, February 14, 2010

إحذر .... أولادك على الإنترنت

في خضم ثورة المعلومات التي نعيشها وتكّسر الكثير من الحواجز الزمانية والمكانية عن طريق الإنترنت الذي يمكن الحصول عليه بسهولة على أي جهاز كمبيوتر أو حتى على الهاتف المحمول، أجد أنه من الضروري على المثقفين والمربيين والعلماء في مجتمعنا الوقوف للتأمل ودراسة تأثير هذه الثورة على نمو أطفالنا وعلى المجتمع ككل. ولا ينبغى أن نتعامل مع ثورة الانترنت بتفكير ثنائي ساذج، القبول الكلي أوالرفض التام لتعامل اطفالنا مع الانترنت بدون ادراك كامل لتاثيره عليهم. لذلك احاول في هذا المقال ان أساهم في هذا التأمل من خلال تجربتى ودراستى التربوية محاولاً إيضاح خطورة السذاجة والسطحية فى تعاملنا مع علاقة اطفالنا بالإنترنت، كما احاول بيان اطار عام للاستخدام يمكننا من الوصول للعلاقة المثلى.

          تأثير التكنولوجيا على الاطفال والمجتمع بصفة عامة أحد أهم المواضيع فى البحث العلمي في المجالات الإجتماعية والتربوية لأن التكنولوجيا تغير سريعاً أنماط الحياة الإجتماعية وطرق تعامل الناس مع بعضهم البعض. ومع ظهور الإنترنت وسهولة الحصول عليه أصبحت هذه الدراسات أكثر أهمية وخطورة لأننا أصبحنا لا نتعامل فقط مع التكنولوجيا ولكننا نتعامل مع فيض هائل من المعلومات الغير مقننة ومتوافره لدى الجميع. أبعاد الثأثير هنا لا نهائية فقد أصبحنا نرى تغيير فى أنماط التجارة والمعاملات والإتصال بين الناس والقراءة والتعليم والوظائف والسياسة وحتى فى الحروب.

أبدأ بسرد أنواع من مخاطر الإنترنت فى حالة الإستخدام في الأغراض السليمة. الخطر الأول يشترك الانترنت  فيه مع غيره من وسائل الترفيه الإلكترونية كالتلفاز وألعاب الفيديو ...إلخ، وهو الإستغراق لساعات طوليه أمام هذه الأجهزة. يترتب على ذلك أضرار جسدية من مشاكل بالظهر والمفاصل والعيون وزيادة الوزن وأضرار نفسية تقترب من مشاكل الادمان أو مشاكل فى ردود افعال غير منضبطة نتيجة طبيعة بعض الالعاب، وأضرار إجتماعية كالعزلة والانطواء وعدم التوافق الإجتماعى والعنف. يزيد على ذلك مع الإنترنت إدمان قاعات الدردشة البريئة حتى لو كانت مع الاصدقاء. فتجد الناتج قضاء الأطفال والشباب ساعات طوال مع الاصدقاء فى هذا الجو الافتراضي الغير طبيعي يختبىء الطفل فيه خلف شاشته وخلف قدرته المحدودة على التعبير بالكتابة. ويعلق المتخصصون النفسيون والاجتماعيون أن طبيعة علاقاته الاجتماعية تتغير كما تتغير حتي قدرته على التعبير عن نفسه مما يؤثر على النمو الطبيعي لشخصيته.

الخطر الثانى هو اعتماد الطفل فى ثقافته على المعلومات المبسطة الغير موثقة فتصبح الثقافة العامة ثقافة سطحية غير مكتملة. مع العلم أن أغلب مضمون الإنترنت مواد معلوماتية ذاتية الأنشاء، أى أن أي شخص يستطيع الكتابة ونشر وتسويق مواضيعه، فتصل هذه المعلومات لأطفالنا بدون أى مراجعة أو تدقيق. وإذا ترك الطفل أمام هذه المعلومات بدون تدريب يأخذ المعلومات السهلة ويبني عليها أفكاره ومعتقداته. أعطي على ذلك مثال أحد الأبحاث التي طلبت من بعض الطلبة فى مرحلة الاعدادي عن شخص عالم الأحياء المثير للجدل داروين مع العلم أن مدارسنا تتبنى نظرية الخلق (creation) ولا تتبنى نظرية النشوء والارتقاء (evolution) خاصة في ما يتعلق بفكرة أصل الإنسان. وجدنا أن الطلبة الذين اعتمدوا على الإنترنت بدون توجيه كتبوا أبحاث تدل على تبنيهم فكرة النشوء والارتقاء، ذلك لأن أغلب الموجود على الإنترنت من هذه الخلفية العلمية والفلسفية. اضيف الى ذلك ان أحد الأخطاء الغير مباشرة هي تفاعل الأطفال مع مادة لا تتناسب مع أعمارهم فتؤثر على بناءهم الفكري والنفسي.

أما بالنسبة للأخطار نتيجة الإستخدام الخاطىء فهي كثيرة، من أشهرها الدخول على المواقع الإباحية سواء عن طريق الخطأ أو عمداً مما يترتب عليه صدمات نفسية عنيفة، كما يجعلهم عرضة لإدمان هذه المواقع. والغريب فى هذا الموضوع سهولة الدخول على هذه المواقع حتى للاطفال، لأنها تعتبر من أكبر الصناعات التجارية على الانترنت فتجد هذه المواقع مروج لها على مواقع أخرى وتجدها فى شكل فيروسات منتشرة على الاجهزة مما يجعل المستخدم الجديد عرضة لهذه الصدمة بشكل كبير. كما يوجد على الإنترنت مواقع كثيرة لا تتناسب مع الأطفال كمواقع العنف ومواقع بها موضوعات وقصص للكبار فقط كما يوجد مواقع للقمار والمراهنات ومواقع إرهابية تشرح كيفية صنع قنابل منزلية ومواقع لشراء المسروقات ومواقع يمكن أن تتعرض فيها للنصب والسرقة ومواقع تنتهك حقوق الملكية الفكرية. كما تنتشر مواقع تهاجم الاديان بصفة عامة ومواقع تهاجم الإسلام.

ومن مخاطر الاستخدام الخاطئ ما هو منتشر على مواقع وبرامج الدردشة من دخول أشخاص مغرضين عليها، فتجد رجال كبار يقدموا أنفسهم على أنهم نساء أو أطفال صغار ليتمكنوا  من الوصول لأغراض مريضة. فانتشرت على مستوى العالم حوادث خطف أطفال بهذه الطريقة. وقد شاهدت بنفسى محاولات كثيرة لأشخاص غرباء للإتصال بأطفال. وبالنسبة لمواقع إجتماعية كالفيس بوك وماى سبيس (Facebook – My Space) عندما يتعامل معها الأطفال بسذاجة، تجدهم ينشرون عليها صوراً شخصية لهم ولأهلهم، كما ينشرون معلومات خاصة جداً مع قبولهم لأشخاص لا يعرفونهم مما يزيد من فرصة الأستغلال الخاطىء لهذه الصور والبيانات. كما تنتشر محاولات إبتزاز لسهولة إستخدام برامج تعديل الصور وإمكانية تحويل الصور إلى صور فاضحة ونشرها بسهولة على الانترنت.

فى النهاية لا أحاول أن أثير الذعر من الانترنت ولا أحاول أن أدفع الناس بعيدا عنه. بل على العكس تماماً لأن الإنترنت أصبح جزءاً من الحياة اليومية والتكنولوجيا المستخدمة في كافة المجالات التي لا ينبغى أن نعزل أنفسنا عنها. كما اني أعتبر منع أطفالنا بدون تفكير هو الوجه الثاني للسذاجة. لأنه إذا منعوا فى البيت لن يمنعوا فى المدرسة والنادي وإذا منعوا عن الكمبيوتر لن يمنعوا عن التليفون ولن يمنعوا عند أصدقاءهم، بل سنفقد السيطرة أو القدرة على توجيه اطفالنا للإستخدام الصحيح للإنترنت. وهذا هو المطلوب أن ندرك كيف نتفاعل مع ابناؤنا على الإنترنت.

أقدم بإختصار بعض النصائح للوصول للإستخدام المتوازن والسليم للأنترنت. الخطوة الاولى هي محو أمية الكمبيوتر والإنترنت عند الأسرة، وهذا ممكن لان تصميم الإنترنت والكمبيوتر الان أغلبه مبسط وميسر للمستخدم الجديد. فإن لم تمحي هذه الأمية لن تتمكن من مجاراة أولادك، سيتحدثون لغة جديدة لا يمكنك فهمها، لذى لا غنى عن التعلم أي كان عمرك. الخطوة الثانية هي إستخدام برامج الفلترة للمحتوى ليتناسب مع السن وهذه برامج مجانيه أو رخيصة تراقب وتتحكم فيما يسمح بوصوله على الجهاز فتمنع منعاً باتاً المواقع الإباحية والعنيفة، إلخ. كما يوجد عن طريق الشركات الموفرة للخدمة ما يسمى بالإنترنت الآمن أو الإنترنت العائلى فتقوم الشركة بالفلترة من قبلها حتى أن بعض الدول كالإمارات تفرض هذه الخدمة على كل الشركات. الخطوة الثالثة كما تفعل فى التلفاز والفيديو جيم أن يكون الوقت مقنن أي عدم السماح إلا بعدد ساعات محدوده من الإستخدام لتلافي مشاكل الإدمان والمشاكل الصحية والنفسية المترتبة على طول فترة الإستخدام. الخطوة الرابعة هي أن تتواجد وتتفاعل مع أولادك على الانترنت وأن تكون في لائحة أصدقاءهم على الفيس بوك والدردشة بدون تدخل كبير بل لتكون محيطاً بما يفعلوه ومن يقبلوه. كما ينبغي أن تتحدث وتناقش معهم ما تراه ويرونه على الإنترنت حتى تتطور وتنمو معهم فى هذا العالم الإفتراضى. وأخيراً أنصح أن لا يسمح بإستخدام الإنترنت والتلفاز فى غرف مغلقة بل فى أماكن مفتوحة حتى لا يشعر المستخدم أنه بلا رقيب.

أدعوالله أن يحفظنا ويحفظ أولادنا وشبابنا ويمكننا من إستخدام هذه التكنولوجيا الإستخدام الأمثل والمفيد.

 

Monday, February 1, 2010

حمى الامتحانات

تهل علينا هذه الأيام فترة امتحانات منتصف العام والتى تجسد روح الصراع بين غالبية الأسر التى لها أطفال وشباب فى مراحل التعليم المختلفة ونظام التعليم المصري. تشعر انه الدور قبل النهائي للبطولة الكبرى، بطولة حصد الدرجات، فالفائز الأكبر هو الذي يستطيع أن يجمع اكبر قدر من الدرجات بأقل الخسائر. ويبذل فى سبيل هذه الغاية الغالي والنفيس من أموال وأوقات للاستعداد لهذا الحدث الهام. فتتوترالأعصاب وتصل درجة الاستعداد والطوارئ لأعلى مستوى فتمنع الزيارات والفسح، وتمنع المكالمات إلا فيما يتعلق بالاستعداد للدروس المختلفة. أما المدرب العام والمدير الفني فى هذه الحالة هو زعيم الدروس الخصوصية المدرس ذو القدرة على التلخيص بدون فقدان الألفاظ الأساسية المطلوبة فى ورقة الإجابة، والقدرة على إجبار التلاميذ على حفظ كل ما يقدم إليهم من معلومات باستخدام كافة الوسائل من ضغوط نفسية وواجبات واختبارات حتى يتمكن من التأكد أن الحشو تم فى رأس التلميذ. ومن المضحكات المبكيات فى هذه العملية تجد أن محاولة الطالب للفهم بالنسبة للمدرس ذو الشعبية الكبيرة هي محاولة لتضييع الوقت لأنها ستعطله وزملاؤه عن الحفظ. وان التلميذ مأمور أن يحفظ المعلومة حتى لو تأكد للمدرس أنها خطأ مطبعي. ومن المبكيات أيضا أن الطلبة تحفظ موضوعات الرسم وتحفظ موضوعات التعبير وتحفظ إثباتات النظريات الرياضية بل وتحفظ أيضا نماذج أسئلة الرياضيات بأرقامها، كما يتم حفظ الخرائط والخصائص والايجابيات والسلبيات بلا تحليل أو تعديل. كما أنها تحفظ الإجابات بمفرداتها وألفاظها كما وردت فى المقرر الدراسي فماذا كان مرادف كلمة بديع هو جميل لا تستطيع أن تستبدلها بحسن أو طيب.
من المحزن ان كل هذا المجهود وكل هذه الاستثمارات يضيع اغلبها فى الهواء والمثال على ذلك انه عادة عندما نختبر طالب شهادة الإعدادية الذي حصل على 90% في الاعدادية باستخدام نفس الامتحان أثناء التقديم لمرحلة الثانوي لا يحصل على أكثر من 60%. وان فى مقابلاتنا لخريجي الثانويات الفنية والتجارية ينكشف لنا أكثر من ذلك، نجد الكثير يعاني من صعوبات شديدة في الكتابة.
الشاهد هنا أن التركيز فى العملية التعليمية عندنا يعتمد على الحفظ فقط وان المستهدف الحقيقي هو الحصول على أعلى الدرجات بغض النظر عن التحصيل الحقيقي أو الكشف عن المهارات المكتسبة. ولكنى أتعاطف أيضا مع أولياء الأمور فى كثرة الضغوط فالمسابقة تبدأ فى مرحلة مبكرة لان أول شهادة تعليمية معتمدة هي شهادة الصف الثالث الابتدائي، ونتيجة طبيعية للتعليم الرسمي المصري أو مسابقة الحفظ أن الطالب يفقد درجات اكبر كلما تقدم فى المراحل الدراسية المختلفة. فإذا أخذنا مثالا افتراضيا من واقع الخبرة انه اذا حصل تلميذ على 98% فى الصف الثالث الابتدائي سيحقق تقريبا 95% فى الصف السادس وبالتالي 90% فى الإعدادية وتكون نتيجته النهائية فى الثانوية العامة حوالي 80%. فإذا كان الأب أو الأم طبيبا أو مهندسا أو يرغب بشدة أن يدخل ابنه أو ابنته الطب أو الهندسة سيعيش بداية من الصف الثالث أو الصف السادس حياة مضغوطة وصعبة جدا عليه وعلى أولاده لان الحلم بدأ فى التلاشي ولان المجموع المطلوب لكليات ما تسمى بالقمة لا تقل عن 95% فى الثانوية العامة. مع انه من المعلوم أن التصنيف الاجتماعي للكليات بكليات قمة وقاع غير منطقي بل ومضر حتى بالتوزيع الوظيفي لاحتياجات المجتمع للوظائف المختلفة.
وللأسف يترتب على هذه المسابقة المحمومة عدة ظواهر اجتماعية واقتصادية ضارة أولها ضياع بلايين الجنيهات فى النظام تعليمي والدروس خصوصية. ثانيا: ضغط نفسي واجتماعي شديد على التلاميذ وقد سمعنا عن حالات أو محاولات انتحار بين طلبة الثانوية العامة كما أن طاقات التلاميذ وذكاءاتهم المختلفة تحبط وتكبت لان التركيز فقط على الطلبة المتفوقين في الحفظ كما يصنف الآخرون بالفشل منذ سن صغيرة ومثال على ذلك ابنة احد أقاربي امتنعت عن حضور التجمعات العائلية لحصولها على الـ 90% فى الإعدادية. ثالثا: وهى حالة اجتماعية خاصة تنفرد بها مصر وهى فترة الامتحانات التى تشل جزئيا الحركة الاقتصادية والاجتماعية. وللعلم أن اغلب الدول الغربية تتجه إلى إلغاء الامتحانات الرسمية المعممة على الدولة. ففي كندا مثلا لا يوجد شهادة عامة واحدة فكل مدرسة لها الحق أن تعطى شهادة تخرج معتمدة تقبلها كل الجامعات، وأمريكا أيضا لا يوجد بها امتحان رسمي عام وكل مدرسة أيضا تعطى شهادتها ولكنها تضيف امتحان اختياري (SAT) عن طريق احد الشركات الخاصة وهو مطلوب فى الكثير من الجامعات الامريكية، وفى انجلترا يوجد اختبار واحد فقط فى آخر المرحلة الدراسية فى المواد الدراسية المختلفة قبل الدخول للجامعة.
استخلص من السابق ذكره أنى تناولت الأضرار الناجمة عن حمى الامتحانات فى بلدنا ومن الممكن للأفراد والمجموعات أن يتلافوا الكثير من الاضرار حتى فى ظل نظام قديم يحتاج للكثير من التطوير وذلك عن طريق التعامل العقلاني مع الامتحانات وعدم خوض السباق بهذا الانفعال. كما يجب التركيز مع الأولاد على الفهم والتطبيق ومناقشة المواضيع التى تتم دراستها فى المدرسة وأن فترة الامتحانات كغيرها من الفترات بجدول نوم واكل ومذاكرة منتظم لا ينقطع التلميذ عن محيطه الاجتماعي، كما لا ينبغي ان يحاسب الابن على الدرجة ونصف الدرجة بل يشجع على ما أحرزه من تقدم بالمقارنة بمستواه. كما لا يجب ان يحاسب حساب عسيرا على المواد التى لا يتقنها فليس كل الطلبة بارعين فى الرياضيات أو الرسم أو التعبير. يجب أن يتسع أفق الأب والأم ليروا أن النجاح غير مرتبط بكلية معينة كالطب والهندسة المهم أن يتحلى الطالب بمواصفات النجاح وان يكتشف ما يتقنه وما يحسن عمله وعلى هذا الأساس يختار الطالب كليته ومجال عمله بعد الدراسة بدون ضغط فى أي اتجاه. هذه القناعة ستخفف الكثير من الضغوط داخل المنازل وتساهم فى إعطاء التلاميذ فرصة اكبر لإبراز مواهبهم وطاقاتهم خارج دائرة المسابقة المحمومة وتعود بالنفع على المجتمع ككل.
م/ خالد القزاز
مدير احد المدارس الدولية بالقاهرة
k.alqazzaz@gmail.com