Friday, January 15, 2010

ماذا لو أغلقنا المدارس؟

شاهدت منذ عدة أيام على برنامج البيت بيتك حوار مهم جدا للدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة عن انفلونزا الخنازير. تفاءلت لوجود مسؤول حكومى على رأس المسئولية يتعامل بعقلانية وحكمة لا تنجرف وراء الانفعالات والذعر العشوائى. كما انه لا يتساهل أو يفرط وقادر على أخذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة أو الممكنة. لكن مقدم البرنامج الشهير بدأ بمقدمه تعكس حالة الذعر الشديد الموجود بالشارع. وللأسف أنهى الحديث قبل ان يبدا بوصوله الى نتيجة مسبقة انه مهما حدث لن يرسل ابناؤه الى مدارسهم لمدة شهرين مهما حدث وتسائل لماذا لا بتم اغلاق المدارس. رد د. حاتم الجبلى بمنتهى الثقة من منظور احصائى أن الولايات المتحدة الأمريكية بها مثلا 63 مليون حالة حتى اليوم وأن دول كثيرة بها أضعاف الحالات الموجودة فى مصر ولم يغلق أحد المدارس بل انه قال "لم يغلق احد على هذه الكرة الأرضية المدارس".

اتناول فى باقى هذا المقال التبعات المختلفة لقرار ان تم تنفرد به على مصر على مستوى العالم وهو اغلاق المدارس. قبل ان ابدا بتحليل التبعات ازعم اننا لو اغلقنا المدارس لن نساهم فى وقف الوباء لأننا لن نوقف مظاهر الحياة الاجتماعية. سيظل الناس يتزاورون ويذهبون الى المجمعات التجارية وملاعب الاطفال والسينمات والمسارح، الخ. والأسوأ من ذلك الظاهرة التي زادت مع بداية هذه الازمة وهي زيادة الدروس الخصوصية بصفة عامة وفى المراكز الخاصة التى يوجد بها كثافات أكبر وتهوية ورقابة أقل مما يساهم في انتشار اكبر للمرض.

من الناحية التربوية والاجتماعية اغلاق المدارس يعنى تغير النظام الاجتماعى واليومى للأطفال والأسر لمدة عام كامل مما يترتب عليه تغيير مفاجئ فى العادات والسلوك والعلاقات. كما يؤثر على العادات الصحية والغذائية والجسدية لنمو الأطفال. اضرب بذلك مثلا الفارق الكبير بين النظام اليومي للاطفال خلال العام الدراسى وخلال فترة الصيف. نرى عادات مختلفة وأنماط يومية عشوائية كالاستيقاظ متأخرا والساعات الخاملة الطويلة أمام التلفاز والالعاب الغير مفيدة. ومن الناحية التربوية ان الأطفال يستفيدون من وجود روتين يومى لحياتهم يضبط متى يتعلمون ومتى يأكلون ومتى ينامون. حين نغير كل هذا للطفل على مدار فترة طويلة قد تصل بهم لضرر شديد وفى أقل الظروف تصل لنتيجة غير متوقعة لسلوك يصعب التعامل معه.

من الناحية الاقتصادية يكلف التعليم خزانة الدولة مبلغ 20 مليار جنيه سنويا كما تمثل استثمارات التعليم الخاص ما يقارب ال 50 مليار جنيه. وتتداول المدارس الخاصة بين مصروفات دراسية ومصاريف ما يقارب ال5 مليار جنيه سنويا.

وهذا الحجم الكبير من الاستثمارت يوجب التأنى الشديد قبل التفكير حتى فى أخذ قرار بوقف أو تعطيل هذه الحركة المالية الضخمة.

يعمل فى مجال التربية والتعليم ما يقارب 1,6 مليون موظف لا يستطيع احد أن يعطل حياتهم بدون وجود ضرورة حتمية لذلك. كما ان الاغلاق لن يؤثرفقط على العاملين فى التربية والتعليم ولكن في مجالات اخرى ايضا. عدد كبير من الأمهات العاملات سيضطرون للبقاء لرعاية أبنائهم مما يؤثر على قطاعات أخرى كبيرة تعتمد على السيدات. كما أنه سيضع الكثيرين فى مواقف قضائية وأزمات مالية من أصحاب مدارس ومدرسين وأولياء أمور. لأنه فى حالة توقف المدارس سيمتنع الكثير من أولياء الأمور من دفع المصاريف مما يترتب عليه توقف أصحاب المدارس عن دفع الرواتب أو الاستغناء عن الكثيرمن المدرسين مما يوقع الجميع في مشاكل كبيرة.

ومن الناحية السياسية تقبل الدولة على مرحلة تغيير كبيرة فى انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية فهل تستطيع الدولة التعامل مع الملايين المتضررين من وقف التعليم. هذه الوقفة تمثل أزمة داخلية كبيرة يصعب التعامل معها لأنك تدفن طاقة انسانية كبيرة داخل المنازل وتغيير بطريقة غير مدروسة اهتماماتهم وأولوياتهم.

فى النهاية قد تضطر الدولة الى وقف التعليم فى حالات كثيرة كالحرب والوباء الحقيقى ولكن قبل اتخاذ هذا القرار يجب على المسئولين دراسة هذا الأمر وتبعاته جيدا كما يجب على الجمهور والاعلاميين ادراك صعوبة وخطورة اتخاذ هذا القرار. حفظنا الله واياكم.

No comments:

Post a Comment