Sunday, March 14, 2010
عصفوران فى القفص
Tuesday, March 2, 2010
تأملات فى قضية الانتماء
Sunday, February 14, 2010
إحذر .... أولادك على الإنترنت
في خضم ثورة المعلومات التي نعيشها وتكّسر الكثير من الحواجز الزمانية والمكانية عن طريق الإنترنت الذي يمكن الحصول عليه بسهولة على أي جهاز كمبيوتر أو حتى على الهاتف المحمول، أجد أنه من الضروري على المثقفين والمربيين والعلماء في مجتمعنا الوقوف للتأمل ودراسة تأثير هذه الثورة على نمو أطفالنا وعلى المجتمع ككل. ولا ينبغى أن نتعامل مع ثورة الانترنت بتفكير ثنائي ساذج، القبول الكلي أوالرفض التام لتعامل اطفالنا مع الانترنت بدون ادراك كامل لتاثيره عليهم. لذلك احاول في هذا المقال ان أساهم في هذا التأمل من خلال تجربتى ودراستى التربوية محاولاً إيضاح خطورة السذاجة والسطحية فى تعاملنا مع علاقة اطفالنا بالإنترنت، كما احاول بيان اطار عام للاستخدام يمكننا من الوصول للعلاقة المثلى.
تأثير التكنولوجيا على الاطفال والمجتمع بصفة عامة أحد أهم المواضيع فى البحث العلمي في المجالات الإجتماعية والتربوية لأن التكنولوجيا تغير سريعاً أنماط الحياة الإجتماعية وطرق تعامل الناس مع بعضهم البعض. ومع ظهور الإنترنت وسهولة الحصول عليه أصبحت هذه الدراسات أكثر أهمية وخطورة لأننا أصبحنا لا نتعامل فقط مع التكنولوجيا ولكننا نتعامل مع فيض هائل من المعلومات الغير مقننة ومتوافره لدى الجميع. أبعاد الثأثير هنا لا نهائية فقد أصبحنا نرى تغيير فى أنماط التجارة والمعاملات والإتصال بين الناس والقراءة والتعليم والوظائف والسياسة وحتى فى الحروب.
أبدأ بسرد أنواع من مخاطر الإنترنت فى حالة الإستخدام في الأغراض السليمة. الخطر الأول يشترك الانترنت فيه مع غيره من وسائل الترفيه الإلكترونية كالتلفاز وألعاب الفيديو ...إلخ، وهو الإستغراق لساعات طوليه أمام هذه الأجهزة. يترتب على ذلك أضرار جسدية من مشاكل بالظهر والمفاصل والعيون وزيادة الوزن وأضرار نفسية تقترب من مشاكل الادمان أو مشاكل فى ردود افعال غير منضبطة نتيجة طبيعة بعض الالعاب، وأضرار إجتماعية كالعزلة والانطواء وعدم التوافق الإجتماعى والعنف. يزيد على ذلك مع الإنترنت إدمان قاعات الدردشة البريئة حتى لو كانت مع الاصدقاء. فتجد الناتج قضاء الأطفال والشباب ساعات طوال مع الاصدقاء فى هذا الجو الافتراضي الغير طبيعي يختبىء الطفل فيه خلف شاشته وخلف قدرته المحدودة على التعبير بالكتابة. ويعلق المتخصصون النفسيون والاجتماعيون أن طبيعة علاقاته الاجتماعية تتغير كما تتغير حتي قدرته على التعبير عن نفسه مما يؤثر على النمو الطبيعي لشخصيته.
الخطر الثانى هو اعتماد الطفل فى ثقافته على المعلومات المبسطة الغير موثقة فتصبح الثقافة العامة ثقافة سطحية غير مكتملة. مع العلم أن أغلب مضمون الإنترنت مواد معلوماتية ذاتية الأنشاء، أى أن أي شخص يستطيع الكتابة ونشر وتسويق مواضيعه، فتصل هذه المعلومات لأطفالنا بدون أى مراجعة أو تدقيق. وإذا ترك الطفل أمام هذه المعلومات بدون تدريب يأخذ المعلومات السهلة ويبني عليها أفكاره ومعتقداته. أعطي على ذلك مثال أحد الأبحاث التي طلبت من بعض الطلبة فى مرحلة الاعدادي عن شخص عالم الأحياء المثير للجدل داروين مع العلم أن مدارسنا تتبنى نظرية الخلق (creation) ولا تتبنى نظرية النشوء والارتقاء (evolution) خاصة في ما يتعلق بفكرة أصل الإنسان. وجدنا أن الطلبة الذين اعتمدوا على الإنترنت بدون توجيه كتبوا أبحاث تدل على تبنيهم فكرة النشوء والارتقاء، ذلك لأن أغلب الموجود على الإنترنت من هذه الخلفية العلمية والفلسفية. اضيف الى ذلك ان أحد الأخطاء الغير مباشرة هي تفاعل الأطفال مع مادة لا تتناسب مع أعمارهم فتؤثر على بناءهم الفكري والنفسي.
أما بالنسبة للأخطار نتيجة الإستخدام الخاطىء فهي كثيرة، من أشهرها الدخول على المواقع الإباحية سواء عن طريق الخطأ أو عمداً مما يترتب عليه صدمات نفسية عنيفة، كما يجعلهم عرضة لإدمان هذه المواقع. والغريب فى هذا الموضوع سهولة الدخول على هذه المواقع حتى للاطفال، لأنها تعتبر من أكبر الصناعات التجارية على الانترنت فتجد هذه المواقع مروج لها على مواقع أخرى وتجدها فى شكل فيروسات منتشرة على الاجهزة مما يجعل المستخدم الجديد عرضة لهذه الصدمة بشكل كبير. كما يوجد على الإنترنت مواقع كثيرة لا تتناسب مع الأطفال كمواقع العنف ومواقع بها موضوعات وقصص للكبار فقط كما يوجد مواقع للقمار والمراهنات ومواقع إرهابية تشرح كيفية صنع قنابل منزلية ومواقع لشراء المسروقات ومواقع يمكن أن تتعرض فيها للنصب والسرقة ومواقع تنتهك حقوق الملكية الفكرية. كما تنتشر مواقع تهاجم الاديان بصفة عامة ومواقع تهاجم الإسلام.
ومن مخاطر الاستخدام الخاطئ ما هو منتشر على مواقع وبرامج الدردشة من دخول أشخاص مغرضين عليها، فتجد رجال كبار يقدموا أنفسهم على أنهم نساء أو أطفال صغار ليتمكنوا من الوصول لأغراض مريضة. فانتشرت على مستوى العالم حوادث خطف أطفال بهذه الطريقة. وقد شاهدت بنفسى محاولات كثيرة لأشخاص غرباء للإتصال بأطفال. وبالنسبة لمواقع إجتماعية كالفيس بوك وماى سبيس (Facebook – My Space) عندما يتعامل معها الأطفال بسذاجة، تجدهم ينشرون عليها صوراً شخصية لهم ولأهلهم، كما ينشرون معلومات خاصة جداً مع قبولهم لأشخاص لا يعرفونهم مما يزيد من فرصة الأستغلال الخاطىء لهذه الصور والبيانات. كما تنتشر محاولات إبتزاز لسهولة إستخدام برامج تعديل الصور وإمكانية تحويل الصور إلى صور فاضحة ونشرها بسهولة على الانترنت.
فى النهاية لا أحاول أن أثير الذعر من الانترنت ولا أحاول أن أدفع الناس بعيدا عنه. بل على العكس تماماً لأن الإنترنت أصبح جزءاً من الحياة اليومية والتكنولوجيا المستخدمة في كافة المجالات التي لا ينبغى أن نعزل أنفسنا عنها. كما اني أعتبر منع أطفالنا بدون تفكير هو الوجه الثاني للسذاجة. لأنه إذا منعوا فى البيت لن يمنعوا فى المدرسة والنادي وإذا منعوا عن الكمبيوتر لن يمنعوا عن التليفون ولن يمنعوا عند أصدقاءهم، بل سنفقد السيطرة أو القدرة على توجيه اطفالنا للإستخدام الصحيح للإنترنت. وهذا هو المطلوب أن ندرك كيف نتفاعل مع ابناؤنا على الإنترنت.
أقدم بإختصار بعض النصائح للوصول للإستخدام المتوازن والسليم للأنترنت. الخطوة الاولى هي محو أمية الكمبيوتر والإنترنت عند الأسرة، وهذا ممكن لان تصميم الإنترنت والكمبيوتر الان أغلبه مبسط وميسر للمستخدم الجديد. فإن لم تمحي هذه الأمية لن تتمكن من مجاراة أولادك، سيتحدثون لغة جديدة لا يمكنك فهمها، لذى لا غنى عن التعلم أي كان عمرك. الخطوة الثانية هي إستخدام برامج الفلترة للمحتوى ليتناسب مع السن وهذه برامج مجانيه أو رخيصة تراقب وتتحكم فيما يسمح بوصوله على الجهاز فتمنع منعاً باتاً المواقع الإباحية والعنيفة، إلخ. كما يوجد عن طريق الشركات الموفرة للخدمة ما يسمى بالإنترنت الآمن أو الإنترنت العائلى فتقوم الشركة بالفلترة من قبلها حتى أن بعض الدول كالإمارات تفرض هذه الخدمة على كل الشركات. الخطوة الثالثة كما تفعل فى التلفاز والفيديو جيم أن يكون الوقت مقنن أي عدم السماح إلا بعدد ساعات محدوده من الإستخدام لتلافي مشاكل الإدمان والمشاكل الصحية والنفسية المترتبة على طول فترة الإستخدام. الخطوة الرابعة هي أن تتواجد وتتفاعل مع أولادك على الانترنت وأن تكون في لائحة أصدقاءهم على الفيس بوك والدردشة بدون تدخل كبير بل لتكون محيطاً بما يفعلوه ومن يقبلوه. كما ينبغي أن تتحدث وتناقش معهم ما تراه ويرونه على الإنترنت حتى تتطور وتنمو معهم فى هذا العالم الإفتراضى. وأخيراً أنصح أن لا يسمح بإستخدام الإنترنت والتلفاز فى غرف مغلقة بل فى أماكن مفتوحة حتى لا يشعر المستخدم أنه بلا رقيب.
أدعوالله أن يحفظنا ويحفظ أولادنا وشبابنا ويمكننا من إستخدام هذه التكنولوجيا الإستخدام الأمثل والمفيد.
Monday, February 1, 2010
حمى الامتحانات
Monday, January 18, 2010
التعليم وصناعة القطيع
Friday, January 15, 2010
أطفالنا والمستقبل
مع التعديلات الوزارية الجديدة خاصة فى وزارة التربية والتعليم ومع تعطل الدراسة هذا العام فى أغلب المدارس بالمدن الكبرى بسبب أنفلونزا الخنازير، يتبادر الى الأذهان تساؤلات كثيرة عن واقع التعليم ومستقبل أطفالنا فى مصر.
فى محاضرة مفيدة جدا للدكتور أحمد زويل فى الرياض والتى أذيعت فى أكثر من قناة فضائية الأسبوع الماضى تحدث الدكتور زويل عن الفارق الشاسع بين الدول المتقدمة والدول النامية مع عرض أمثلة مختلفة عن هذه الفوارق. ذكر د. زويل الفوارق فى ثلاث مجالات وهي الصحة والتعليم والعلوم العسكرية. بالنسبة للصحة أكد أنه بينما تنشغل الدول النامية بتأسيس النظام الصحى وانشاء المستشفيات تخطت الدول المتقدمة هذه المرحلة الى مرحلة العلاج الجينى مع البحث عن علاج الجينات المسؤولة عن الكثير من الأمراض وأنهم أصبحوا يدرسون ويتابعون الأمراض على مستوى الجزيئات وتفاعل الجزيئ مع العلاج. بالنسبة للتعليم ضرب د. زويل مثال اهتمامات واسئلة ابنه ذو الثلاثة عشر عاما عن الخريطة الجينية ومظاهر الحياة على المريخ فيما لايزال التعليم فى الدول النامية تعليم كلاسيكى أو تقليدى يعتمد فقط على الحفظ والاسترجاع وان نسبة الأمية في الدول العربية تقارب الـ 20%. أما بالنسبة للعلوم العسكرية تحدث عن تباهى الدول النامية بالطائرات الحربية الجديدة الموجودة بترسانتها بينما بدأت الدول المتقدمة فى أبحاث وضع مستعمرات فى القمر والمريخ لأغراض دفاعية أو استكشافية.
أشار د. زويل أن الحل يكمن فى "الاستثمار فى المستقبل" وخاصة الاستثمار فى التعليم والبحث العلمى. والجدير بالذكر أن د. زويل أكد على ضرورة التعجيل بالاستثمار فى التعليم لأن الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة تقارب الخمسون عامًا. يقول جارى ماركس فى مقدمة كتابه القيادة المستقبلية (Future Focused Leadership) وهو يقصد بالتحديد التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية أن البقاء ‘محلك سر’ هو عبارة عن تذكرة مضمونة الى الفناء. ولأن العالم يتحرك الأن بسرعة شديدة ستتمكن فقط الدول والمجتمعات والمؤسسات التى تستطيع أن تكشف عن القدرات العبقرية للأفراد من خلال أحسن نظام تعليمى، من أن تمضى قدمًا للأمام بسرعة غير مسبوقة.
د. زويل يتحدث عن فرق الخمسون عامًا وجارى ماركس يكشف عن توجه الإدارة التعليمية بأمريكا للمضى بمعدل أسرع للأمام فأين نحن من هذا كله؟ أقول أننا فى أحسن تقدير مازلنا محلك سر والدلائل كثيرة. اذا عقدنا مقارنة بين الاجيال التي تعلمت في مصر مع استثناء بعض المناهج الدولية ومادة الكمبيوتر يؤكد كل جيل على أنه تلقى تعليمًا أفضل من الجيل الذى يليه. والمبرر لهذه المقولة من المنظور التربوى أنه بمرور الوقت تطور العالم وتغير ولم يتغير التعليم في مصر أو لم يتغير بالصورة المطلوبة. وإذا أضفنا الى ذلك ضعف الإمكانيات الحالية وزيادة الأعداد والكثافات فإن النتتيجة الحتمية أن اللاحق يتلقى خدمة تعليمية أقل من السابق. إذا ضربنا مثلا مقارنة بين جيل الجد والجيل الحالي نجد أن الجد تلقى علما متوائما مع زمنه فى مدارس تعتبر جديده فى ذلك الوقت بطرق تعليم أقرب لذلك العصر . أما الحفيد يتلقى الآن تعليما فى نفس المدرسة القديمة ولكن مزدحمة وغير مجهزة بنفس طرق التدريس ومناهج لا تختلف كثيرا عن ما سبق مما يجعلهم غير مناسبين وأقل كفاءة مما سبق.
وعلى مستوى أعمق قليلا نجد أن المناهج الدراسية المصرية لم تتغير كثيرا منذ قيام الثورة إنما اختلف قليلا التقييم فى المرحلة التى تسبق دخول الجامعه أى أن المناهج مازالت عالقة فى زمن سابق من حيث المحتوى ومن حيث المهارات المرتبطة بالمناهج. كما أن المدرس ومعاهد الندريس لم يلقوا الاهتمام المطلوب وتؤكد أغلب المراجع التربوية أن المدرس عادة ما يدرس بالطريقة التى تعلم بها لذا تهتم الدول المتقدمة بتأهيل المدرسين بطريقة مختلفة ليتمكن من تطوير اداءه ومواكبة التطور والتغير السريع للعصر ولمتطلبات التعليم. مع العلم ان علم التربية خاصة من العلوم الجديدة التي تتغير بسرعة شديدة. من خلال دراستي في مجال التربية استطيع ان اقول ان النظريات التربوية تتغير بمعدل سريع حتى انه لا يقبل بحث في كليات التربية الامريكية يستخدم مراجع اقدم من خمس سنوات من تاريخ تقديم البحث. لذا نجد ان مدرسينا مازالوا عالقين ايضا فى الزمن القديم بل وبكفاءة اقل نتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة أدت الى تشويه صورة ووضع المدرس فى المجتمع مما أثر مجددا على أداءه. أما عنصر الكتاب المدرسى للأسف ايضا تشعر أنه ينتمى لعصر غير العصر الذى نعيش فيه لذا فى أغلب الحالات يتم استبداله بالملخصات والملازم.
ما أحاول أن أوضحه هنا هو تقييم العملية التعليمية من زاوية مواكبة عناصرها المختلفة للزمن. كما قال د. زويل انه حتى نتمكن من تقليص الفارق علينا النظر للمستقبل. ويؤكد هذا المعنى جارى ماركس فى نفس الكتاب بأن التربويين عليهم أن يتحلوا بالمهارات القيادية التى تجعل المستقبل نصب أعينهم ومحور خططهم وقراراتهم مما اسماه بالقيادة المستقبلية. ويعطى مثالا بسيطا أن الكثير من طلبة مدارسنا فى مرحلة الحضانة الآن سيعيشوا ليشهدوا عام 2100 وأن خريجى الثانوية العامة هذا العام سيكملوا عامهم الـ 65 فى 2057 وممكن أن يعمروا الى عام 2080 مما يعنى أن المستقبل يشكّل داخل مدارسنا الآن.
الحمد لله انها انفلونزا الخنازير
اصبت الاسبوع الماضي بالانفلونزا واتضح من تحليل احد المعامل الخاصة انها انفلونزا الخنازير. تناولت موضوع انفلونزا الخنازير من نواحي مختلفة في مقالين سابقين ولكني وجدت اني ساقدم للقارئ زاوية جديدة عندما اتناوله من وجهة نظر المريض.
عندما ظهرت نتيجة التحليل الايجابية بدات ارى بعض المشاكل المرتبطة بالثقافة العامة التى صعبت التعامل مع هذا لمرض البسيط. تأكد لى أن الثقافة العامة عندنا ليست ثقافة مبنية على العلم بل تعتمد أكثر على العاطفة والانفعالات. كما تأثر الوسط الطبى بهذه الثقافة أيضا وموضوع الانفلونزا خير دليل.
عندما ظهرت النتيجة الإيجابية استعرضت فى ذهنى شريط المعلومات عن المرض والعدوى ولكنى اؤمن بالتخصص لذا اخذ قراراتي الصحية من الطبيب المعالج بعد مناقشته. وهنا بدات مرحلة الشك لأن ما طلبه منى لا يتماشى مع المعلومات التي جمعتها فبدات أسأل أطباء آخرين وأتابع الأطباء المستضافين على شاشات الفضائيات راجيا هذه المرة كمريض الحصول على معلومات محددة شافية. ولتتابع ما أقول حاول أن تجد اجابة جامعة للأسئلة التالية وستجد اختلافات كبيرة بين الاراء:
- ما هي فترة العدوى بالضبط قبل ظهور الأعراض وبعد انتهاء الأعراض؟
- هل الأعراض التي تحكمنا في موضوع فترة العدوى هى الحرارة أم الكحة أم ماذا؟
- متى يصبح التامى فلو غير فعال او بدون فائدة؟
- من يأخذ االتامى فلو تحديدا هل الفئات الخطيرة فقط أم أى مصاب بأنفلونزا الخنازير؟
- من ياخذ الجرعه الوقائيه للتامي فلو؟
كل هذه السئلة لها إجابات ولكنها ليست محددة. ولكنى كمريض يحدث معي فرقا هائلا أن ابقى يوما إضافيا معزولا عن أطفالى الصغار اللذين لا يعلمون ما يعييني كما انهم يروني ولكن لا يستطيعون أن يقتربوا مني.
أحسست أنه حتى الأطباء يستقون معلوماتهم عن هذا المرض بالذات من الاخبار والفضائيات والجرائد والانترنت وان معظمهم سلك مسلكا غير علمي في تناول المرض. الشاهد الأول لهذا المسلك أن أغلب الأطباء فى تحليلهم وتشخيصهم اختاروا الرد على الأسئلة باختيار أحد الاراء المتناثرة فى المراجع المختلفة بدون ذكر الآراء المختلفة او شرح تفضيله لهذا الراي او ذاك. مثالا على ذلك سؤال فترة امتداد العدوى. تجد احد الاطباء يخبرك انها اسبوع من بداية الاعراض واخر ياكد انها يومان بعد انتهاء الحراره بدون خافض حراره. الاختلاف ليس كبيرا لكنه محير جدا للمريض. المتوقع من الاطباء المتخصصون ان يذكروا مدى تنوع الاراء والسبب العلمي لتفضيله.
الشاهد الثاني على السلوك الغيرعلمي ان الاطباء انساقوا وراء الانفعالية والذعر المربتطين بانفلونزا الخنازير بل وساهموا في تفشي حالة الذعر. ابسط مساهمة ان اغلب الاطباء اضافوا الى قاموس تشخيصاتهم لاغلب حالات البرد كلمة "اشتباه"، والمقصود اشتباه في انفلونزا الخنازير. وعندما يسمع الاب او الام هذه الكلمة تبدا حالة الذعر التي تصيب البيت والاسرة الممتدة والجيران بل والمدرسة واذا اضفت ثقافة الشائعات التي سافرد لها مقالا خاصا ننتقل من حالة الذعر الى حالة الفوضى. مع العلم ان الاطباء اكثر الناس علما انه فيروس انفلونزا ضعيف لا يستدعي اي علاج استثنائي او قلق اضافي. اضرب مثال الحوار بيني وبين طبيب اطفال بعد الكشف على ابنتي وعمرها سنة ونصف منذ اكثر من شهر. خلص الطبيب انها حالة انفلونزا فيروسية انها يمكن ان تكون H1N1 بنسبة 5%. وبدا يصف مضاد حيوي مع انها لسيت من عادته في حالات الانفلونزا ولهذا انا معجب به، فسالته هل سيعالج هذا الانفلونزا حتى لو كانت H1N1 فقال لا ولكنها اجراءات احترازية. وتعجبت من ذلك لان لو اعطى الاطباء دواء لكل مرض او عرض احتمالية حدوثه 5% سيكتبوا لنا المئات من الادويه عند كل زيارة.
ما ذكرته يعتبر مؤشرا لانزلاق الكثير من الاطباء في سلوك غيرعلمي عند تعاملهم مع انفلونزا الخنازير. اما بالنسبة للعوام فالثقافة الغير العلمية هي السائدة. تجد المذيع فى الفضائية ياتي بالخبر او التحقيق المحمل بالبيانات والتصريحات والحقائق العلمية لكنك تجد الاسئلة ورد فعل الناس غير مرتبط بالحقائق المذكورة بل مرتبط بالتهويل من قبل الاعلاميين. اضرب مثالا على ذلك الحقائق والاحصائيات التى ترد يوميا على شاشات الفضائيات بخصوص انفلونزا الخنازير. أولا: فيروس انفلونزا الخنازيراضعف من فيروس الانفلونزا الموسمية وأعراضه ومضاعفاته مشابهة لما اعتاد عليه الناس في حالات الانفلونزا. ثانيا: ان نسبة الشفاء من المرض تتعدى ال 98% بدون علاج. ثالثا: يوجد علاج فعال لهذا المرض كما يوجد تطعيم ضده. رابعا: نسبة الإصابة فى مصر والوفيات لا تشير لأى خطر او وباء. عدد المصابين حوالى 14 الف مصاب أى اقل من 0.02 % من السكان، كما ان نسبة الوفيات من المصابين اقل من 1%.
من المنظور العلمى حتى الآن لا يعتبر المرض من الامراض الخطيرة باي مقياس ولم يصل بعد لدرجة الوباء في مصر من حيث سرعة الانتشار أو معدل الوفيات. اعلم انه مهما حصرت من بيانات واحصائيات علمية لن اغير من ذعر الكثيرين. لذا من المنظور الشخصي كشخص اصيب بالمرض اللعين اعلم اني اصير اكثر اقناعا خاصة واني من الفئات المعرضة للمضاعفات الخطيرة لاكثر من سبب كما ان لي رضيعه اقل من شهرين لا ينفع معها تطعيم او تامي فلو ولي ابن مصاب بحساسية الصدر ووالدي مريض بالقلب والضغط والسكر ويعيش بنفس المنزل. بالرغم من هذا كله اقول لكم انه دور عادي جدا ارتفعت درجة حرارتي لمدة يوم ونصف ونزلت بالكماداب وخافض الحراره كما تعافيت في ثلاثه ايام من اغلب الاعراض. والحمد لله باتباع الوقاية الصحية البسيطة لم ينتقل المرض لاي فرد من افراد عائلتي. لذا اؤكد مجددا من التجربة الشخصية انه مرض بسيط بل واقول احمد الله اني اصبت بانفلونزا الخنازير عن اي انفلونزا اخرى.
من فوائد أنفلوانزا الخنازير
بالرغم من الذعر الهائل المتولد نتيجة إنتشار أنفلوانزا الخنازير والتناول الغير العلمى لهذا المرض فى وسائل الإعلام المتعددة، وبالرغم من إهدار مئات الملايين من الجنيهات على أدوية لا فائدة منها وأمصال لم تثبت كفاءتها ومنظفات مبالغ فى أسعارها مازال هناك بعض الايجابيات التى يمكن أن نستفيد منها على الأقل من الناحية التربوية. أتناول منها فى هذا المقال زيادة الوعى الصحي كما أناقش غيابه عن المناهج الدراسية.
تسببت فوبيا الخنازير في اكتساب عادات صحية جيدة على المستويين الشخصى والمجتمعى. أصبح غالبية المصريين مهتمين بالنظافة الشخصية وغسل اليدين بكثرة وسد الفم عند العطس والكحة. كما قلت العادات السيئة كالمشاركة فى الشرب من نفس الكوب أو استخدام نفس أدوات الاكل والنظافة الشخصية. كما قلت القبل التى ‘يغسل بها الجبين’ بل والوجه كله. وبدأ الناس يحفظون مسافة آمنه تفصل بينهم وبين الاخرين حتى فى التجمعات المزدحمة. كما انتشرت ثقافة التهوية فى البيوت والاماكن المغلقة التى تقلل من الكثير المشاكل الصحية والامراض. بل وزاد وعى أولياء الامور فى إبقاء أولادهم فى المنازل وعدم إرسالهم إلى المدارس عند مرضهم. ويساهم هذا الوعى فى الحد من الكثير من الامراض المعدية وخاصة الأنفلونزا بأنواعها المختلفة. كما يساهم هذا الوعى في التقليل من إنتشار الامراض المرتبطة بانتقال الميكروبات من على الاسطح المتسخة التى تسبب النزلات المعوية والالتهابات المختلفة. وتساهم هذه الثقافة الصحية بالأخص من الحد من إنتشار فيروسات الكبد التى تنهش فى أجساد الكثير من المصريين بصفة خاصة وتعتبر من اهم الامراض المتفشية. لذى نجد ان الإجراءات الوقائية المتبعة للحد من انفلونزا الخنازير تساهم فى الحد من الكثير من الامراض الاخرى الاكثر انتشارا والاكثرفتكا بالشعب المصري.
أعلق أيضا على المصدر الرئيسى للتوعية فى هذه القضية وهو الاعلام. وقد لعب الاعلام دوراً أساسياً فى التأكيد واالتنبية على العادات الصحية المطلوبة. فى المقابل نجد ان مناهجنا الدراسية تكاد تخلوا من التوعية الصحية او على الاقل لا تتناولها بالشكل الكافى او المطلوب. اذا قارنا بين مناهجنا ومناهج أغلب الدول المتقدمة نجد ان التربية الصحية تكون جزءا رئيسيا من المناهج الدراسية بل توجد العلوم الصحية كمادة دراسية اساسية فى الكثير من الدول. لذا نقول أيضاً أنه من واجب المسئولين عن التعليم أن يضموا داخل التعليم الاساسى كل معلومة ومهارة مطلوبة للتعايش والنمو الطبيعى للأفراد داخل المجتمع. والتربية الصحية أساس مهم لضمان صحة الافراد والمجتمع لذا يجب ان تدرج في المناهج الدراسية المصرية.
اعتمدت مجتمعاتنا الشرقية سابقاً فى مجال اتربية الصحية على تناقل هذه الثقافة عبر الاجيال داخل المنزل عن طريق نقل العادات الصحية من الجدود الى الاباء ثم الابناء وهكذا. كما اعتمدت ايضاً على اشتمال الثقافة الدينية خاصة الاسلامية للثقافة الصحية فى الكثير من الامور مثل فقه الطهارة والاداب الصحية الكثيرة الموجودة فى السنة النبوية المطهرة. ولكن مع اشتداد الضغوط الاقتصادية التى ترتب عليها عمل الاب والام ساعات طويلة واحيانا الاطفال ايضا، قل التواصل بين الاجيال سواء فى نقل الثقافة الصحية والدينية. كما استنفذ التعليم الرسمى باقى الوقت لدى الاس، فاقتصر المنقول للمجتمع على محتوى المناهج الدراسية. مما يضع عبئاً ثقيلا على هذا المحتوى الذي للأسف كما ذكرت سابقا لا يساهم بشكل فعال في التربية الصحية.
لذا آمل ان يبقى الوعي الصحي اوعلى الاقل ان يدرج فى مناهجنا الدراسية عندما تنقشع الغمة )فوبيا انفلومنزا الخنازير( او عندما تتجاهله الوسائل الاعلاميه الى مواضيع اخرى. حفظكم الله.
ماذا لو أغلقنا المدارس؟
شاهدت منذ عدة أيام على برنامج البيت بيتك حوار مهم جدا للدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة عن انفلونزا الخنازير. تفاءلت لوجود مسؤول حكومى على رأس المسئولية يتعامل بعقلانية وحكمة لا تنجرف وراء الانفعالات والذعر العشوائى. كما انه لا يتساهل أو يفرط وقادر على أخذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة أو الممكنة. لكن مقدم البرنامج الشهير بدأ بمقدمه تعكس حالة الذعر الشديد الموجود بالشارع. وللأسف أنهى الحديث قبل ان يبدا بوصوله الى نتيجة مسبقة انه مهما حدث لن يرسل ابناؤه الى مدارسهم لمدة شهرين مهما حدث وتسائل لماذا لا بتم اغلاق المدارس. رد د. حاتم الجبلى بمنتهى الثقة من منظور احصائى أن الولايات المتحدة الأمريكية بها مثلا 63 مليون حالة حتى اليوم وأن دول كثيرة بها أضعاف الحالات الموجودة فى مصر ولم يغلق أحد المدارس بل انه قال "لم يغلق احد على هذه الكرة الأرضية المدارس".
اتناول فى باقى هذا المقال التبعات المختلفة لقرار ان تم تنفرد به على مصر على مستوى العالم وهو اغلاق المدارس. قبل ان ابدا بتحليل التبعات ازعم اننا لو اغلقنا المدارس لن نساهم فى وقف الوباء لأننا لن نوقف مظاهر الحياة الاجتماعية. سيظل الناس يتزاورون ويذهبون الى المجمعات التجارية وملاعب الاطفال والسينمات والمسارح، الخ. والأسوأ من ذلك الظاهرة التي زادت مع بداية هذه الازمة وهي زيادة الدروس الخصوصية بصفة عامة وفى المراكز الخاصة التى يوجد بها كثافات أكبر وتهوية ورقابة أقل مما يساهم في انتشار اكبر للمرض.
من الناحية التربوية والاجتماعية اغلاق المدارس يعنى تغير النظام الاجتماعى واليومى للأطفال والأسر لمدة عام كامل مما يترتب عليه تغيير مفاجئ فى العادات والسلوك والعلاقات. كما يؤثر على العادات الصحية والغذائية والجسدية لنمو الأطفال. اضرب بذلك مثلا الفارق الكبير بين النظام اليومي للاطفال خلال العام الدراسى وخلال فترة الصيف. نرى عادات مختلفة وأنماط يومية عشوائية كالاستيقاظ متأخرا والساعات الخاملة الطويلة أمام التلفاز والالعاب الغير مفيدة. ومن الناحية التربوية ان الأطفال يستفيدون من وجود روتين يومى لحياتهم يضبط متى يتعلمون ومتى يأكلون ومتى ينامون. حين نغير كل هذا للطفل على مدار فترة طويلة قد تصل بهم لضرر شديد وفى أقل الظروف تصل لنتيجة غير متوقعة لسلوك يصعب التعامل معه.
من الناحية الاقتصادية يكلف التعليم خزانة الدولة مبلغ 20 مليار جنيه سنويا كما تمثل استثمارات التعليم الخاص ما يقارب ال 50 مليار جنيه. وتتداول المدارس الخاصة بين مصروفات دراسية ومصاريف ما يقارب ال5 مليار جنيه سنويا.
وهذا الحجم الكبير من الاستثمارت يوجب التأنى الشديد قبل التفكير حتى فى أخذ قرار بوقف أو تعطيل هذه الحركة المالية الضخمة.
يعمل فى مجال التربية والتعليم ما يقارب 1,6 مليون موظف لا يستطيع احد أن يعطل حياتهم بدون وجود ضرورة حتمية لذلك. كما ان الاغلاق لن يؤثرفقط على العاملين فى التربية والتعليم ولكن في مجالات اخرى ايضا. عدد كبير من الأمهات العاملات سيضطرون للبقاء لرعاية أبنائهم مما يؤثر على قطاعات أخرى كبيرة تعتمد على السيدات. كما أنه سيضع الكثيرين فى مواقف قضائية وأزمات مالية من أصحاب مدارس ومدرسين وأولياء أمور. لأنه فى حالة توقف المدارس سيمتنع الكثير من أولياء الأمور من دفع المصاريف مما يترتب عليه توقف أصحاب المدارس عن دفع الرواتب أو الاستغناء عن الكثيرمن المدرسين مما يوقع الجميع في مشاكل كبيرة.
ومن الناحية السياسية تقبل الدولة على مرحلة تغيير كبيرة فى انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية فهل تستطيع الدولة التعامل مع الملايين المتضررين من وقف التعليم. هذه الوقفة تمثل أزمة داخلية كبيرة يصعب التعامل معها لأنك تدفن طاقة انسانية كبيرة داخل المنازل وتغيير بطريقة غير مدروسة اهتماماتهم وأولوياتهم.
فى النهاية قد تضطر الدولة الى وقف التعليم فى حالات كثيرة كالحرب والوباء الحقيقى ولكن قبل اتخاذ هذا القرار يجب على المسئولين دراسة هذا الأمر وتبعاته جيدا كما يجب على الجمهور والاعلاميين ادراك صعوبة وخطورة اتخاذ هذا القرار. حفظنا الله واياكم.